الاتصالات والتسوق.. إدارة جميع النشاطات الإنسانية وتنظيمها. الشيوعية لم تعد محل خوف والرأسمالية انتقلت إلى الهجوم

في الوقت نفسه، اعتمدت الديموقراطيات الحديثة، على ركيزتين:هما التقدم والتلاحم الاجتماعي، حل محلهما، اثنان آخران، هما الاتصالات والسوق، اللذان بَدَّلا من طبيعة العلاقات.

فقد أصبحت الاتصالات، الأسطورة الأولى في الوقت الحاضر، مما تسببت بالأزمات بين الأشخاص، بصورة خاصة، وكذلك الحال، في نطاق العائلات، كما في المدارس، وفي المؤسسات والشركات، كما في الدول، كونها أصبحت قادرة على تسوية كل شيء. مع ذلك، بدأ يدب الشك، بأن تسببت كثرتها وتنوعها، بشكل جديد، من النفور، والكراهية، وبأنها، بدلاً من أن تحرر الاتصالات الخاصة بالعقل، فقد حبستها لا بل عزلتها بشكل رهيب.

وأصبح للسوق، بعد اليوم، ميل إلى إدارة جميع النشاطات الإنسانية وتنظيمها. وكانت بعض المجالات، الثقافية، الرياضية، الدينية، خارج مدى سيطرتها والتأثير فيها. والآن جرى امتصاصها، بواسطة فلك السوق. حيث فوضت الحكومات أمورها، أكثر فأكثر إليها: (التخلي عن قطاعات، الخصخصة...).

مع الحالة هذه، تبقى السوق الخصم الرئيس أمام التلاحم الاجتماعي والتماسك العالمي، لأن مَنْطَقِها يريد فقط، مجتمعاً ينقسم إلى مجموعتين: مجموعة من الموسرين، وأخرى من غير الموسرين.

ولا تهتم السوق كثيراً بهؤلاء الأخيرين، فهم خارج اللعبة أيضاً كما يقال. وتستمر السوق، كونها المنتج للتفاوت أو عدم المساواة، من حيث الجوهر، تزداد عجرفة مذهلة، يمارسها من هم على رأس المجموعة الأولى.

ويشهد على ذلك، هذه الطرفة، قيل، إنه يوجد إعلان يغطي أروقة عشرات المطارات الأوربية، ينقل نموذجياً لِصُوَر عن الثورة الثقافية الصينية، في عهد ماوتسي تونغ، يظهر فيها صفوف من المتظاهرين، ينتظمون في مواكب عديدة، وهم يُلَوِّحون بأعلام، متعددة الألوان، ووجوههم عابسة، وهم يصرخون: "أيها الرأسماليون، في جميع بلدان العالم، اتحدوا".

هذه الدعابة، نشرتها مجلة فوريس (FORBES)، مجلة المليار ديرية ، مشيرة إلى تبديل الشعار الشيوعي الأكثر شهرة: والقائل: "بروليتاريا، في جميع البلدان، اتحدوا".

جاء ذلك، وبهذه الطريقة الماكرة، في الذكرى المائة والخمسين وعلى صدور البيان الشيوعي، الذي شارك في كتابته كل من كارل ماركس وفريد ريك آنجلز.

وكان الأول في الثلاثين من عمره، والثاني، في الثامنة والعشرين، وذكرى ثورة عام (1848) التي فرضت التصويت العام الذكوري وإلغاء العبودية. ثم التمرد الذي تم في شهر أيار عام (1868).

وَيَدُلُّ ذلك على أمرين: أن الشيوعية لم تعد محل خوف، وأن الرأسمالية قد انتقلت إلى الهجوم. فعلام تدل عجرفة رأس المال هذه؟.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال