البناء الموازي.. التشاكل التركيبي المبني بواسطة تكافؤ العناصر يراكم في بناء مواز التشاكل الدلالي والصوتي



ننطلق من الفرضية التي دافع عنها مفتاح (1985) التي تعتبر التشاكل مفهوما عاما يشمل التكرار والتوازي والتجنيس... وذلك لكونه يشمل التحليل بالمقومات ووصف وتأويل التشاكل الصوتي والحد ' متكرر' في الكلمة الواحدة.
ثم إن مفهوم التوازي ظل سجين الأطروحات الو صفية للشعرية البنيوية، بينما تمت تنمية مباحث التشاكل في الدلالة اللسانية والدراسات السيميائية التأويلية (شكري 2001).
وعليه، أدرجنا التوازي ضمن مباحث التشاكل بالنظر إلى صياغتنا لمفهوم تشاكل التوازي الذي يؤول الجهات البلاغية المنتجة للأزمنة بواسطة تفاعل المكونات الصوتية والمعجمية والتركيبية في بناء مواز.
ومسوغ هذا التوسيع، إضافة لما سبق، أن التوازي بوصفه تكرارا لنواة صرافية_تركيبية في متواليتين أو أكثر، يراكم التناظر والتغاير على السواء، الشيء الذي يسمح باعتبار تراكم التكافؤ والتباين تشاكلات متوازية نحلل بعض نماذجها في الأمثلة الموالية.    
32_Je vous blâmais tantôt, je vous plains à présent     
(كورنيي، عن ملين وتامين،1982،ص.209.)
إن تشاكل التوازي في المثال (32) يتم بناؤه اعتمادا على تماثل القضايا التامة والمتكافئة بواسطة تعادل الجملتين في عدد مكوناتهما.
33_كل ما هب، وما دب، وما -- نام، أو حام على هذا الوجود
 من طيور، وزهور، وشذى -- وينابيع، و أغصان تميد....       
وبحار،  وكهوف،  وذرى -- وبراكين، ووديان، وبيد.....
وضياء، وظلال، ودجى,., -- وفصول، وغيوم، ورعود...
وثلوج، وضباب عابر،... -- وأعاصير وأمطار تجود.....  
وتعاليم،  ودين، ورؤى، -- وأحاسيس، وصمت، ونشيد...
كلها تحبا بقلبي حرة -- غضة السحر، كأطفال الخلود...
 (ديوان أبي القاسم الشابي، صص.453_454)
     ينتظم الزمن الإيقاعي هذه الأبيات بواسطة تشاكل التقطيع التركيبي، ومحافظة مكونات الجمل في الأبيات الشعرية الستة أساسا على نفس الرتبة الأولية التي ينتجها البيتان؛ الأول والثاني.
ويقتضي هذا النظام تفاعل الجهة الدائرية، حيث تعادل العناصر، مع الجهة الخطية حيث تتابع العناصر في شكل سلسلة دائرية.
غير أن هذا التشاكل التقطيعي- التركيبي يحوي تراكما للأداتين ( كل ومن) اللتين تظهران ثم تختفيان، الشيء الذي يعني أنهما تؤشران في الجمل المتناسلة على الضم؛ إذ تغيبان صوتيا وتحضران دلاليا في جمل من قبيل:وX ما دب، وX ما نام... وX زهور، وX شذى....
إن التشاكل التركيبي المبني بواسطة تكافؤ العناصر يراكم في بناء مواز التشاكل الدلالي والصوتي كذلك.
ذلك أن تشاكل الحياة يهيمن على الوحدات الدلالية 'هب'، ' دب '، ' طيور'، 'زهور'.... ويوازي تشاكل الصوامت (م، ر، د، ن، ل... ) وتشاكل الصوائت القصيرة والطويلة.  
وهكذا، فالبناء الموازي لمختلف التشاكلات ينبني على أساس الترادف، والتباين (الطباق)، والتوليف ( أو التراكب الاستعاري )، ناهيك عن التماثل والتقابل الصوتيين، ضمن مسارات متوازية للانفصال والاتصال، التي تشكل خصائص هامة لظاهرتي الفصل والوصل.
ذلك أن بعض التشاكلات المعجمية والتركيبية تأخذ شكل بنيات مزدوجة تتفاعل فيها جميع الجهات.
لنحلل المثال الموالي:
34 For he hath founded it upon the seas, 1
(And) established it upon the floods. 
                              2
(عن جونستن1991، ص.21)
إن علاقة الاتصال التركيبي والدلالي بين الجملة الأولى والثانية قد تمت بواسطة أداة اتساقية هي And التي تناظر واو العطف في العربية. وبذلك، يقود هذا الاتصال، المعتمد على قيد التتابع في الجهة الخطية وقيد تشاكل الوظائف التركيبية والدلالية والتداولية في الجهة الدائرية، إلى وضع العناصر الموصولة فيما تنعته جونستن (1991) بالزوج المعجمي (Lexical couplet) الذي نضيف إليه "الزوج التركيبي".
وبذلك، فالوصل بين وحدتين معجميتين في سياق تركيبي ما، يؤشر على تشاكلهما في الوظيفة التركيبية والوظيفة الدلالية مع إمكانية تشاكلهما في الوظيفة التداولية.
وهكذا، إذا كانت الجهة البلاغية تؤشر في الشعر والنثر على الوظيفتين المعرفية والبلاغية، فإنها تسمح، تبعا لذلك، بتنمية الكفايات الحجاجية والوصفية_ السردية.
غير أننا نفضل طرح إشكال غالبا ما يعترض الأستاذ والتلميذ معا، وهو: كيف نؤول الحجاج والحكي في الخطاب الشعري؟
ويأتي طرح هذا الإشكال في سياق اهتمام البرنامج الدراسي لمختلف المواد (بما فيه البرنامج المرتقب للغة العربية الخاص بالجذوع المشتركة) بظاهرة الحجاج والسرد بوصفها ظواهر لا توجد فقط في الخطابات الفلسفية والحكائية بل تخترق مقصدية الخطاب الشعري كذلك.