مدينة صور العمانية: تاريخ عريق، ميناء حيوي، ومركز للتراث والتنمية
تقع مدينة صور العمانية، وهي ميناء منطقة الجعلان، في موقع جغرافي فريد على ساحل رملي منخفض، يخلو تمامًا من النباتات والأشجار في محيطها المباشر. للوهلة الأولى، قد تبدو البلدة وكأنها مجمع كبير من الأكواخ المتراصة على جانبي بحيرة، في مشهد يعكس بساطة الحياة التقليدية وانسجامها مع البيئة البحرية. تعد صور واحدة من أقدم الموانئ والمدن البحرية في العالم، حيث تقع على الساحل الشرقي لسلطنة عمان، على بعد حوالي 310 كيلومترات من العاصمة مسقط. يبلغ عدد سكانها حوالي 66,587 نسمة، مما يجعلها أكبر المدن في المنطقة الشرقية.
التركيبة السكانية والمساكن التقليدية:
يتميز التخطيط العمراني التقليدي لصور بتقسيمها إلى جانبين، يسكن كل جانب منهما قبائل شتى، لكل قبيلة منطقة سكن معلومة وقائمة بذاتها. هذا التنظيم يعكس النظام الاجتماعي القبلي المتجذر في المنطقة. وقد بُنيت الأكواخ التقليدية في صور بطريقة فريدة تعكس براعة السكان في الاستفادة من الموارد المحلية والتكيف مع المناخ الحار. هذه الأكواخ الرحبة الفسيحة ذات الهواء المتجدد مصنوعة من جريد النخل المحزوم بقوة بعضه إلى بعض، مما يوفر تهوية طبيعية ممتازة ومقاومة للظروف البيئية.
تنظيم البلدة ونظافتها:
ما يلفت الانتباه في صور هو النظافة التامة لشوارع البلدة، مما يمنحها مظهرًا جميلًا وبهيجًا. هذه النظافة تعكس التزام المجتمع المحلي بالنظام والحفاظ على بيئتهم، رغم بساطة البناء التقليدي.
المركز التجاري: البازار والسوق اليومي
على الرغم من أن مدينة صور التقليدية لم تكن تحتوي على محال تجارية متناثرة داخل الأحياء، إلا أن البازار كان يمثل محور النشاط التجاري والاقتصادي. يقع هذا البازار على بعد نحو ميل ونصف الميل من الساحل، ويُعد مركزًا حيويًا يسكن عنده عدد كبير من السكان. في هذه المنطقة، يُعقد سوق يومي تُعرض فيه صنوف من الحبوب والبقوليات، وأنواع من الفواكه والخضروات، مما يدل على النشاط الزراعي والتجاري الذي يخدم احتياجات السكان اليومية.
المباني الحديثة والواجهات التجارية:
بالإضافة إلى الأكواخ التقليدية، توجد في صور منازل مبنية من مواد أكثر متانة. هذه المنازل صغيرة الحجم ولكنها قوية البناء، فقد أُنشئت من الحجارة وملاطها من الإسمنت. أما عن المباني الأضخم والأفخم في صور، فيسكنها بشكل رئيسي البانيان، وهم تجار لهم تاريخ طويل في المنطقة، ولا ينازعهم في ذلك سوى أهل كتش، الذين يحتكرون أيضاً قدرًا كبيرًا من تجارة هذا المكان، مما يشير إلى وجود جالية تجارية نشطة ذات أصول تاريخية.
المعالم التاريخية والعسكرية: القلاع والحصون
تضم مدينة صور عددًا من المعالم التاريخية التي تشهد على مكانتها الدفاعية والاستراتيجية:
- قلعة صور الكبيرة: تقع في الجزء الغربي من المدينة، وهي قلعة ضخمة كانت تحتوي على مدافع قديمة. ومع مرور الزمن، أصابها البلى، ولم تعد صالحة للقيام بمهامها الدفاعية، لكنها تظل شاهدًا على تاريخ المدينة العسكري.
- قلعة الرفصة: تُعد هذه القلعة من أبرز القلاع في الولاية، وقد كانت تُستخدم قديمًا لحراسة البوابة الرئيسية لمدخل المدينة من الطريق البري. كانت تتميز بنظام أمني صارم، حيث وُضعت سلسلة حديدية عليها لإيقاف الداخلين أو الخارجين منها لأغراض الأمن والحراسة، مما يدل على أهميتها الاستراتيجية.
- حصون أخرى: بالإضافة إلى قلعة الرفصة، توجد حصون أخرى مثل حصن رأس الحد وحصن بن مقرب، والتي تعزز جميعها الطابع الدفاعي والتاريخي للمنطقة.
الزراعة والموارد الطبيعية:
تُجاور صور أرض زراعية مترامية الأطراف، تشتهر بـحدائق النخيل الممتدة على مرمى البصر. هذه المزارع تُعد موردًا اقتصاديًا مهمًا وتُضفي بعدًا جماليًا على المشهد الطبيعي المحيط بالمدينة.
صور ودورها التاريخي كمركز بحري وتجاري:
تتمتع مدينة صور بتاريخ بحري عريق. فقد احتلها البرتغاليون في القرن السادس عشر، ثم استعادها العمانيون في عهد اليعاربة بفضل الإمام ناصر بن مرشد في القرن السابع عشر الميلادي. لعبت صور دورًا حيويًا في المبادلات التجارية بين عمان وشرق إفريقيا والهند عبر مينائها الذي كان محطة رئيسية لاستيراد وتصدير مختلف البضائع. كما كانت مركزًا مهمًا لـصناعة القوارب والسفن العابرة للمحيطات، مثل سفينة "البغلة" وسفينة "الغنجة" التي تُعد رمزًا لصور وتتخذها الولاية شعارًا لها، مما يؤكد على براعة أهلها في الملاحة وصناعة السفن.
المعالم السياحية الطبيعية والتراثية
تزخر ولاية صور بالعديد من المعالم السياحية الطبيعية والتراثية التي تجذب الزوار:
- العيون والأفلاج والكهوف: تمثل هذه المعالم الطبيعية عناصر جذب سياحي رئيسية. توجد في صور بعض العيون الصغيرة في المناطق الجبلية. كما يتدفق عبر الولاية 102 فلجًا، وهي أنظمة ري تقليدية تُستخدم مياهها لمختلف الأغراض المعيشية لسكان الولاية، مما يعكس نظامًا مائيًا متقنًا.
- الكهوف الشهيرة: من أهم الكهوف في ولاية صور كهف مجلس الجن، الذي يقع في وادي بني جابر. يُقال إنه يتسع لسبع طائرات، وقد تم اكتشافه بواسطة الأقمار الصناعية، مما يدل على ضخامته وأهميته الجيولوجية. بالإضافة إلى ذلك، يوجد كهفا مغمارة العيص وجرف منخرق.
- وادي الشاب: يقع في نيابة طيوي، وهو مركز جذب سياحي شهير بجماله الطبيعي ومياهه الزرقاء الصافية، مما يجعله وجهة مفضلة للمتنزهين ومحبي الطبيعة.
النهضة المباركة والتنمية الحديثة في صور:
في عهد النهضة المباركة، شهدت صور نشاطًا كبيرًا في مختلف المجالات، وذلك بفضل تعزيز البنية الأساسية في المدينة. شمل هذا التطور:
- تطوير الطرق: مما سهّل حركة النقل والتجارة.
- إقامة البنوك والمستشفيات: لتقديم الخدمات المالية والصحية الأساسية للسكان.
- إنشاء الكليات التعليمية والمعاهد المختلفة: بطاقم متخصص من المدرسين، مما ساهم في رفع المستوى التعليمي وتأهيل الكوادر الشابة.
- تنشيط مجال صيد الأسماك بالطرق الحديثة: مما عزز من هذا القطاع الاقتصادي الحيوي للمدينة.
نتيجة لهذه التطورات، أصبحت صور تعج بنشاط تجاري وصناعي واسع وتقدم كبير في مجال الخدمات. وقد توسعت ببناء المنازل الحديثة، مما عزز وضعها كـمدينة مركزية في المنطقة الشرقية لسلطنة عمان.
الحرف والصناعات التقليدية: جزء لا يتجزأ من الهوية
تُعد الحرف والصناعات التقليدية جزءًا أساسيًا من تراث صور الغني:
- الحرف اليدوية: تشمل صيد الأسماك، النسيج، الحدادة، الصياغة، السعفيات، النجارة، وصناعة الحلوى. هذه الحرف تعكس مهارات الأجداد وتُعد مصدر دخل للعديد من الأسر.
- الصناعات التقليدية الرئيسية:
- صناعة السفن الشراعية: بجميع أحجامها وأنواعها، وهي الأبرز في صور، وتشتهر المدينة بسفينة "الغنجة" التي أصبحت رمزًا لها. وللحفاظ على هذه الصناعة المتوارثة، أنشأت وزارة التراث القومي والثقافة بالولاية ورشة تقوم بصنع نماذج للسفن العمانية القديمة بمختلف أنواعها.
- صناعة الأبواب والنوافذ الخشبية التقليدية العمانية: تتميز بزخارفها الفريدة التي تعكس الفن المعماري العماني الأصيل.
- صياغة وصناعة الخناجر والحلي النسائية: سواء كانت قديمة أو حديثة، مما يدل على براعة الصاغة في المدينة.
- صناعة النسيج: وأهم منتجاتها: الإزار، السباعية، الشوادر، والحصر العمانية.
ملاحظة: التمييز الجغرافي
من المهم الإشارة إلى أن هناك مدينة أخرى تدعى (صور) تقع في الجنوب اللبناني، وهو ما يتطلب التمييز الجغرافي عند الإشارة إلى مدينة صور العمانية.