يعكس وضع المرأة ومكانتها بصفة عامة مدى الاهتمام الذي يوليه المجتمع للدور الذي تلعبه في المساهمة في تطوير المجتمع وتنميته جنبا إلى جنب مع الرجل. فقد أكدت تقارير التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة على أنه لا تنمية بشرية مستدامة دون تمكين المرأة من توسيع خياراتها من خلال إتاحة وتيسير فرص الحصول على التعليم بمراحله ومستوياته المتعددة والتدريب بكافة أنواعه، والعمل دون تمييز، وإذا كانت تلك التقارير تتحدث عن "المرأة العربية" فإن المرأة في الخليج ليست استثناء.
"وتكمن المفارقة الحقيقية حول دور المرأة الخليجية في المجتمع في عملية المقارنة بين دورها في المجتمع قبل اكتشاف النفط ودورها بعد اكتشافه، حيث كانت المرأة في المرحلة الأولى تُشكل ركناً أساسياً في حركة التنمية، وإن كان هذا الدور بعيداً عن الأشكال القيادية والتمثيلية لفئات السكان أو الطوائف المختلفة"([1])، ولكن دورها هذا كان مؤثراً في إدارة النشاط الاقتصادي والاجتماعي للأسرة في ظل غياب الزوج لفترات طويلة خارج البيت، بسبب رحلاته للتجارة أو لانخراطه في أعمال الغوص طلباً للرزق. ويفسر هذا الوضع بعض الباحثين -والكاتب ينتمي إلى هذا التفسير- بأن المرأة في الخليج كانت تساهم بشكل ما في "الإنتاج" ولو كان ذلك الإنتاج أوليا، مثل العمل المنتج في البيت أو خارجه.
وكانت المرأة الخليجية –عموماً– تقوم في المجتمعات الريفية والبدوية بالعمل، ولكن يتعطل دورها نسبياً في المدينة، ويتعطل أكثر في الأسر "المرفهة"، وكلما كانت المرأة في المدينة الخليجية التقليدية من أسرة أرستقراطية شددت قيود التقاليد الاجتماعية الخناق عليها، "ولقد ناضلت المرأة الخليجية في سبيل مكان أفضل لها تحت الشمس، وخاصة بعد أن بدأ التغيير الاجتماعي يأخذ مجراه، وكان نضالها هذا يختلف من قطر خليجي إلى آخر"([2]).
وعلى الرغم من الإنجازات التي حققتها المرأة في مجتمعات دول مجلس التعاون الخليجي العربي في مجالات التعليم، سواء من حيث الطلب الاجتماعي عليه أو إصرارها على استكمال كافة مراحل السلم التعليمي في مختلف التخصصات بنجاح، والذي يبدو واضحاً في ارتفاع مخرجات التعليم الجامعي والعالي من قبل الطالبات. إلا أن هذه الإنجازات لم تنجح في زيادة نسبة مشاركتها في قوة العمل الوطنية، ولم تنجح أيضاً في تعديل المواقف والمعايير الاجتماعية التمييزية ضد المرأة، والتي تشدد بنحو حصري على الدور الإنجابي للمرأة ورعايتها للأسرة وتفضيل بقائها داخل المنزل، مما يؤدي إلى تعزيز اللامساواة بين الرجل والمرأة في مختلف مناحي الحياة"([3]).
ونعتقد أنه - في ظل تأثيرات العولمة وظلالها على منطقة الخليج العربي- ثمة تغييرات ستحدث للتركيبة السكانية، ومن ثم وضع المرأة الخليجية في السنوات القادمة، وهو ما يتمثل في الآتي:
- قبول الاندماج مع شرائح أخرى موجودة في تلك المجتمعات بفضل سيادة فكرة "التكيف والانفتاح على الآخر"، وتراجع التشدد التفضيلي الاجتماعي بين شرائح المجتمع وصعود القيم الاقتصادية والإنسانية والحياتية.
- تضاؤل تأثير قيم المجتمع التقليدي على الشرائح المجتمعية المتطورة والمنفتحة على العالم وثقافاته، من خلال قبول فكرة الزواج من خارج أُطر المجتمعات التقليدية في دول مجلس التعاون العربي، إلى جانب حدوث تغيرات وتبدلات بسبب ظاهرة العولمة، تتمثل في كثير من النظم الاجتماعية وأنساق القيم، حيث يختفي الترابط الأسري والاجتماعي لدى شرائح تلك المجتمعات، مع تصاعد الضغط من أجل تغييرات تشريعية جذرية والساعية حتى الساعة للاندماج، مثل أبناء المواطنة المتزوجة من "أجنبي" أو التضييق التشريعي التراثي أو الحديث.
- زيادة دور المرأة الخليجية في المجتمع من خلال توسيع نشاطها في مجالات العمل التطوعي، ومن خلال الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني وتوسيع مشاركاتها المجتمعية التي تتعلق بالعمل على زيادة التوعية السياسية، والدفاع عن حقوق المرأة الاجتماعية والإنسانية في المجتمعات الخليجية.
- يساهم الضغط الدولي من خلال منظمات حقوق الإنسان وهيئات المجتمع المدني في دعم دور المرأة الخليجية للمطالبة بحقوقها السياسية كحق الترشيح والانتخاب في المجالس والبرلمانات الخليجية، وحق تولي المناصب القيادية والسياسية العليا في تلك الدول وتحديداً المناصب الوزارية.
([1]) التنمية البشرية في دول مجلس التعاون الخليجي : النجاحات والإخفاقات، بحث للدكتور/ علي أحمد الطراح – الكويت – منتدى التنمية 16 – 17 يناير/2003م، بمملكة البحرين ، ص 37
([2]) د. محمد الرميحي، معوقات التنمية الاجتماعية والاقتصادية في مجتمعات الخليج العربي المعاصرة، مرجع سابق، ص 73
([3]) التنمية البشرية في دول مجلس التعاون الخليجي : النجاحات والإخفاقات، للدكتور علي أحمد الطرح، البحث السابق، ص 6
التسميات
المرأة