الميتامسرح التجريبي.. البحث عن قالب مسرحي متميز والتحرر من القالب المسرحي الغربي



في سياق حديثه عن التجريب بين المسرح الغربي والمسرح العربي، يقول الدكتور محمد الكغاط: إذا كان التجريب في الغرب قد انطلق من تيارات مسرحية معروفة ومن تقاليد مسرحية راسخة، واستفاد أحيانا من بعض القوالب الشرقية والإفريقية، فإن التجريب في المسرح العربي ارتبط بالبحث عن قالب مسرحي متميز.

وهكذا أصبحنا منذ الخمسينات من هذا القرن نسمع دعوات من هنا وهناك، تنادي بوجوب "التحرر" من القالب المسرحي الغربي، والانخراط في البحث عن صيغة مسرحية تعبر عن شخصياتنا وتلتصق بهويتنا كعرب.

ولعل مما يثير الانتباه أن التجريب في الغرب بدأ على يد المخرجين، في حين أن بوادره الأولى ظهرت على يد بعض المؤلفين عندنا قبل أن يتلقفها المخرجون، ولعل ذلك يعود (إلى جانب عوامل أخرى دون ريب) إلى القداسة التي ما يزال النص الدرامي يتمتع بها في العالم العربـي.

يستفاد من هذا القول عنصران هامان، يتعلق أحدهما بالتجريب في المسرح الغربي، والثاني بالتجريب في المسرح العربي، فالأول ارتبط بتيارات مسرحية محددة استفادت من تقاليد شرقية وإفريقية وتحقق على يد المخريجين، والثاني ارتبط بالبحث عن صيغة مسرحية عربية وظهر على يد المؤلفين.

صحيح أن مجال الكتابة أو النص الدرامي شكل قاعدة أساسية للتجريب المسرحي العربي. لكن ارتباطه بقضية البحث عن قالب مسرحي عربي لم يكن، في الواقع، سوى مظهر من مظاهره، ذلك أن انفتاح الكتابة الدرامية العربية على التجربة الغربية فتح المجال لظهور نقلات جديدة في هذه الكتابة، إلى حد أن العديد من نماذجها تحولت إلى إطار لاختبار وتجريب مجموعة من الصيغ المسرحية الغربية.

وبالنظر إلى ما أفرزه هذا الهاجس التجريبي المزدوج، أي البحث عن صيغة عربية مع تمثل التجربة الغربية، من جدالات وآراء مختلفة بين المسرحيين العرب، فإن النص المسرحي العربي تحول إلى حقل للتجريب والتفكير في هذا التجريب في آن واحد.

لقد انخرط الكاتب العربي في محاورة تجربته وتأمل أدواتها وعلاقتها بالمتلقي العربي من جهة، وبالآخر من جهة أخرى. ومادام الميتامسرح يشكل أداة فعالة في ترجمة هذه النزعة التأملية، ويسمح بإدراج بنى مفكر فيها داخل النص المسرحي، ويتيح للكاتب فرصة التعامل المرن مع قيم مسرحية مختلفة المشارب، والمشاركة في صنع الأحداث وبناء الخطابات بشكل صريح من داخل متخيله المسرحي؛ فإن الممارسة التجريبية اتخذت من الميتامسرح مطية للتعبير عن كل هذه الهواجس.

لا ننوي هنا المضي في تحليل خلفيات التجريب وأبعاده الفكرية والفنية في المسرح العربي، ذلك أن عملية من هذا القبيل سوف تكون عبارة عن تحصيل الحاصل، مادامت الكتابات في هذا الجانب كثيرة؛ ومادام همنا الأساسي هنا هو محاولة تلمس شعرية الميتامسرح من خلال النص المسرحي العربي، وذلك من خلال الوقوف على ما اصطلحنا عليه: الميتامسرح التجريبي.

فإذا كان الميتامسرح التأصيلي قد ترجم - من خلال استراتيجية تاريخية اتخذ بعضها مظهرا سيرذاتيا، واتجه البعض الآخر نحو صيغ وثائقية أو جمالية - طبيعة المأزق الذي وقع فيه المسرح العربي وهو يحاول ترسيخ ذاته داخل مجتمع خاضع لإكراهات متعددة؛ فإن الميتامسرح التجريبي نظرا لما رسخه التجريب من قيم الانفتاح والمثاقفة والحرية الفنية والمساءلة الدائمة للقيم المسرحية، قد عكس طموحا كبيرا لدى المسرحيين العرب تمثل في الرغبة في بلورة شعريات مسرحية قائمة الذات موازية لما أنتجه المسرح الغربي في هذا الإطار، أو على الأقل الدخول في الحوار مع الشعريات الغربية، سواء كانت كلاسيكية أو حديثة.

ولم يكن ممكنا للنص المسرحي العربي أن يمضي في هذا الاتجاه لولا أن مسرحيينا رسموا لأنفسهم استراتيجيات فنية محددة وحاولوا تحقيقها نصيا. وقد تم استيحاء هذه الاستراتيجيات من خلال التعامل مع مصدرين أساسيين هما: المسرح الغربي والتراث العربي.

في هذا الإطار، يمكننا أن نميز بين ثلاث استراتيجيات أساسية شكلت إطارا للميتامسرح التجريبي العربي هي:
1- استراتيجية التناص.
2- استراتيجية الارتجال.
3- استراتيجية الحكي.

لقد أفاد النص المسرحي العربي من هذه التوجهات أشياء كثيرة، لعل أبرزها ظهور نسخ عربية للبيرانديلية والبريشتية، وظهور صيغ جديدة في الكتابة كالمرتجلة والتأليف الجماعي للنص، وتحيين التراث العربي ليس باعتباره مضامين أو محتويات وحسب، وإنما باعتباره أشكالا في الكتابة وتقنيات في الحكاية.

وقد حفرت هذه التوجهات وعيا جديدا لدى المسرحيين العرب تمثل في الاعتقاد بإمكانية خلق تلاؤم بين التراث والحداثة، وتجاوز المأزق الذي وضع فيه المسرح العربي من جراء الفهم الخاطئ لقضية التأصيل.

وفوق كل ذلك، فالكاتب العربي استطاع أن يتحرر من عقدة التفوق الغربي، وأصبح بإمكانه أن يغني تاريخ الشعريات المسرحية عن طريق مساءلتها أو تعديلها أو إنتاج صيغ جديدة لها، كما سنرى ذلك مع بعض رموز المسرح العربي المعاصر.


0 تعليقات:

إرسال تعليق