النقاد العرب وتمثل النقد الحداثي والمنهج البنيوي وفهم المناهج النقدية الحداثية



ما هو مدى تمثّل النقاد العرب للنقد الحداثي بعامة، وللمنهج البنيوي بخاصة؟
وهل فهموا هذه المناهج النقدية الحداثية كما هي في بلدها الأم؟
أم أنهم أنقصوا منها، بسبب عجزهم عن متابعة تطورات هذه المناهج النقدية؟

أم زاوجوا فيها بين منهجين أو أكثر ظناً منهم أنهم "اجتهدوا"؟ وهل هذا "الاجتهاد" خصوصية محلية، أم هو عجز وقصور عن متابعة مستجدات هذه المناهج التي تُبنى في بلدانها يوماً بعد يوم من قبل النقاد الغربيين؟.

الواقع أننا في قراءتنا للنقد الحداثي العربي نجد أنفسنا أمام (بنيويات) لا بنيوية واحدة، ذلك أن كل ناقد فهم البنيوية كما يحلو لـه، واستوعب من معطياتها ما رآه مناسباً لـه، فأخذ، وأعطى. وغالباً ما يختلف المعطى عن المأخوذ.

إن الخروج على (أرثوذكسية) المناهج النقدية الغربية الحداثية قد لا يكون عجزاً، ولكن العجز هو انفصال النظرية عن التطبيق، أو أخذ الناقد مقولة واحدة من مقولات المنهج النقدي ظناً منه أنها هي المنهج كله، ثم تطبيقها على المبدعات الأدبية.

وكي لا أتّهم أحداً بالتقصير فإني أتحدّث عن نفسي: ففي مطلع الثمانينات كان المنهج البنيوي التكويني جديداً، ولأن دراساتنا النقدية كان يصب معظمها في المنهج الاجتماعي، بسبب الاتجاه السياسي الذي كان يعاضد هذا الخط، فقد تبّنيت المنهج البنيوي التكويني لقربه من المنهج الاجتماعي، ورغبت في تطبيقه في دراستي للرواية المغربية.

وقد أخذت منه مفهوماً واحداً هو مفهوم (رؤية العالم) وصنّفت الرواية المغربية المعاصرة على أساسه، دون أن أتطرق إلى المفاهيم التكوينية الأخرى التي وردت لدى غولدمان، من مثل: البنية الدالة، والوعي الجمعي.. وذلك في كتابي (وعي العالم الروائي: دراسات في الرواية المغربية) 1979، وعندما توضحت معالم (المنهج البنيوي التكويني) في وطننا العربي وتمكّنتُ من مصطلحاته ومفهوماته وخطواته.

وضعت كتابي (فضاء النص الروائي: مقاربة بنيوية تكوينية) 1996، درست فيه تاريخ هذا المنهج، وأعلامه، وآلية عمله، وطبّقته على إبداع نبيل سليمان الروائي، واخترقت فيه، بعد دراسة مكونات السرد الروائي (النص الماثل) إلى (النص الغائب) حيث عالجت البنية الثقافية، والتاريخية، والاجتماعية، كمرجعية للنص الحاضر.

وبعد دراسة الجهود التنظيرية للنقاد الغربيين في المنهج البنيوي بفرعيه: الشكلي، والتكويني، ودراسة الجهود التنظيرية للنقاد العرب في هذا المنهج، وممارساتهم التطبيقية لهذا المنهج في الحقلين: الشعري، والسردي.

يمكن أن نقول إننا انتهينا إلى الملاحظات التالية:

1- بدأ (التحليل البنيوي الشكلي) أولاً، وعندما وقف أمام الباب المسدود حين حصر همّه في (النّص وحده) جاء (التحليل البنيوي التكويني) ليكون انفتاحاً على الآفاق الثقافية والاجتماعية والتاريخية التي أغنته.

2- هجمت علينا المناهج النقدية الحداثية دفعة واحدة، أواخر القرن العشرين: النقد الألسني، والأسلوبي، والبنيوي، والسيميائي، والتفكيكي.. إلخ.

مما أشاع الاضطراب وعسر الهضم لدى نقادنا الذين استقبلوا هذه المناهج فاغري الأفواه، دون أن يميزوا بينها إلا في وقت متأخر.
ولعل عدم اكتمالها، في بداياتها، حتى في بلد المنشأ ذاته، هو أحد الأسباب التي جعلتها غائمة في الأذهان، وجعلت بعضهم ينصرف عنها، ويؤثر قناعاته التقليدية.

3- الفضل الأول في إشاعة هذه المناهج النقدية الحداثية الغربية يعود إلى النقاد المغاربة الذين أطلوا على أوربا من خلال إجادتهم لغتها، ومثاقفتهم المباشرة، حيث نشروا كتبهم في عواصم البلدان العربية المشرقية، ودراساتهم في المجلات الأدبية المشرقية أيضاً، الأمر الذي دفع ببعض نقادنا إلى تبنيّ هذه المناهج النقدية، والانفتاح على الآخر، ثم تجاوزوا مرحلة الأخذ والاستيعاب إلى مرحلة العطاء والتجريب حيث اتضحت مواقفهم، واستوت قاماتهم، وبقي عليهم أن يعملوا من أجل (تأصيل منهج نقدي عربي حداثي) يظهر هويتهم، ويبرز خصوصيتهم، ليصبحوا فاعلين في مضمار الإبداع الثقافي العالمي المعاصر.
فهل هم قادرون على ذلك؟


المواضيع الأكثر قراءة