إن ارتباط الميتامسرح باستراتيجة التجريب في النص المسرحي العربي، قد جعل الكاتب المسرحي العربي أكثر قدرة على تمثل الشعرية المسرحية الغربية ومناقشة مبادئها الأساسية وتكوين تصور خاص عنها، كما جعله من جهة أخرى، يفتح آفاق جديدة للكتابة الدرامية يتم من خلالها تكييف أساليب جمالية تراثية مع السياق الحداثي الذي تفرضه الممارسة الميتامسرحية.
إن الاستراتيجيات الثلاث التي انخرط فيها النص المسرحي العربي خلقت دينامية جديدة فيها تجاوزت مستوى تجريب البنى النصية لتبلغ مستوى الطموح نحو الإسهام في التراكم الذي حققته شعرية المسرح في الغرب. ولعل هذا ما خلق تقليدا جديدا محايثا للنص المسرحي، تمثل في محاورة شعريات كلاسيكية (الماغوط وشعرية أرسطو في صيغتها الشكسبيرية) أو حديثة (برشيد وشعرية بيرانديلو ثم الكغاط وشعرية اللامعقول)، مع محاولة ملاءمتها مع قضايا خاصة أفرزها المسرح العربي وكان مطلوبا منه صياغة موقف واضح منها وهي : علاقة المسرح بالتاريخ، وعلاقة المسرح بالمتلقي العربي. كما تمثل هذا التقليد، من جهة أخرى، في محاولة إنتاج شعريات ذاتية للمحكي، وذلك من خلال تمثل بنى تراثية كالاستطراد والتضمين والتمثيل والتناظر، واتخاذها إطارا للتشخيص والتأمل في آن واحد.
وقد كان طبيعيا أن يسمح هذا التوجه التجريبي بتنويع الممارسات الميتامسرحية بما يسمح بالانفتاح على كل البنيات الممكنة ومنها على الخصوص : المضاعفة المسرحية، التناص، المحاكاة الساخرة، وتعدد المنظورات السردية. وذلك موازة مع الرغبة في تطوير أساليب الكتابة المسرحية نفسها سواء من زاوية الإنتاج حيث لاحظنا استثمارالأفق الارتجالي ومحاولة بلورة ما يسمى ب" خطاب المخرج " في النص المسرحي العربي، وصياغة ملامح " صراع المسارح " على الطريقة العربية، أو من زاوية التلقي، حيث تم التركيز على كشف اللعبة المسرحية وذلك قصد خلق تقليد جديد يشرك الجمهور في صناعة الفرجة والتفكير فيها في آن واحد.
إن هـذا الـوعي بضـرورة تطوير أساليب الكتابة الدرامية قد أفـرز، بالتالـي، قوالب نوعية جديدة تقوم على أساس إعادة النظر في الأنواع الدرامية الكلاسيكية وتخليص الممارسة الميتامسرحية من بعض الإطارات النوعية التي وضعتها فيها الشعرية الغربية ولاسيما منها : التراجيديا والكوميديا. فالنص المسرحي العربي يأخذ من هذه الأنواع بعض مكوناتها لكن لا يبقى رهين البنية النوعية المتواضع عليها في التقليد الغربي. من ثم، فإن النص المسرحي التجريبي العربي يتعذر وسمه بأسماء كالتراجيديا أو الكوميديا، لأنه يقدم نفسه، في الغالب، باعتباره " عملا مفتوحا Oeuvre ouverte " إن صح التعبير.
وانسجاما مع هذا الانفتاح، فإن هذا النص يحاول ترسيخ فكر تأملي ونزوع مرآوي يجعل منه أسلوبا في الكتابة وتأملا لهذا الأسلوب في آن واحد. لذا، لا نستغرب تواتر آلية التقويض والبناء في علاقتها بالأشكال الدرامية في أغلب النصوص التي قمنا بدراستها، مادامت هذه الآلية قد جعلت الكاتب المسرحي العربي ينظر إلى تجربته من الداخل ويطور تصوراته عن الكتابة عبر نصوص موازية للنص المسرحي تتابع تكوينه وتحكي عن مسار تشكله وتحدد، بطريقة إبداعية، مختلف المبادئ الأساسية لشعريته.
وما كان للكاتب المسرحي العربي أن يحقق ذلك لولا أنه حول مجال اهتمامه، أساسا، إلى مسألة " المتخيل " لأن التفكير في هذا الجانب جعل الكتابة المسرحية العربية تصبح أكثر معرفية، وبالتالي تقيم جسورا متينة مع مختلف العلوم الإنسانية. ولعل هذا التوجه هو الذي خلص هذه الكتابة من شرنقة الفهم الخاطئ" للتأصيل " وجعلها تدخل الحداثة المسرحية من بابها الواسع.
ومادام مبدأ الواقع يشكل رافدا أساسيا من روافد الكتابة، فقد حاول النص المسرحي العربي خلق نوع من الملاءمة بين البنية الميتامسرحية والرؤية التي تحملها هذه البنية، فالميتامسرح بالنسبة، للكاتب المسرحي العربي، ليس إجراء شكليا وحسب وإنما هو رؤية إزاء الواقع أيضا، هذه الرؤية التي لاحظنا أنها تتأرجح بين أبعاد ثلاثة هي : الوطني، القومي والإنساني.
التسميات
ميتامسرح