الزمن ودلالته في قصيدة المساء لمطران خليل مطران.. زمن السرد متتابع متصل بالضرورة وزمن السرد لا يتقيّد بالتتابع المنطقي

للزمن دلالته، وبخاصة في السرد، فالسرد نظام زمني سواء أكان ذلك بوساطة الأفعال المختلفة في إشاراتها الزمنية (ماض-حاضر-مستقبل)، أم كان بوساطة الإشارات الزمنية والقرائن الأخرى في النص(المساء-الغروب... الخ).
وليس من الضروري أن يتطابق تتابع الأحداث في عمل فنّي ما مع الترتيب الطبيعي لأحداثها، ولذلك اعتاد الدارسون أن يميّزوا بين زمنين: زمن السرد وزمن الأحداث، فالزمن الأخير متتابع متصل بالضرورة (حبّ - هجران- ألم)، ولكن زمن السرد لا يتقيّد بهذا التتابع المنطقي، فتحدث المفارقة بين زمن السرد وزمن الأحداث، وقد تكون المفارقة استرجاعاً  لأحداث ماضية (RةTROSPECTION) أو استباقاً لأحداث لاحقة (ANTICIPATION).
وإذا عدنا إلى النص الذي نحن بصدده وجدناه نصّاً شعريّاً وجدانيّاً، ولكنه لا يخلومن السرد، فهو يتلوّن بالوصف والسرد معاً، فالشاعر يصف في المقطع الأول معاناته التي يعيش فيها الآن، ولكنّ هذا الوصف ممتزج بالسرد والإخبار، وهو يستغرق الزمن الحاضر مع أنّه يعبّر عنه بالفعل الماضي، وهكذا يتدرّج العتاب بين المقطعين الثاني والثالث إلى أن يعود إلى الاسترجاع في المقطع الرابع حين ظنّ الشاعر أن طوافه في البلاد يفيد في شفائه، ولذلك فإنّ زمن هذا المقطع يأتي أولاً في زمن الأحداث. 
وإذا استعرضنا الأزمنة بدلالاتها في هذا النص، وتوقفنا عند الماضي الذي لم يأتِ الشاعر على ذكره، ولكنّه مفترض، فإننا نرى أنّ هذا الحبّ العميق لابدّ له من ماض، ولا يجوز أن يكون من طرف واحد، ولابدّ من أن يكون الماضي سعيداً بين عاشقين تحابّا وتعاهدا، ولكنّ ظروفاً لم يذكرها الشاعر حالت دون استمرار هذا الحبّ، فإذا الألم والشقاء والأحزان تخيّم على حاضر الشاعر وتفتك به، والألم النفسي حاضر الشاعر، وبخاصة حين يتوقف عند لحظة الغروب، وكأنها تعيد على أسماعنا أسطورة لبد مع لقمان المعمّر في الأساطير العربية القديمة، فإذا كان عمر لقمان مرتهناً بعمر النسر لبد، فإن عمر الشاعر مرهون بهذا القرص الذهبي، فإذا ما حلّ الغياب في الطبيعة حلّ الغياب في عمر الشاعر نفسه، وقد ساعدت الإشارات الزمنية على ذلك، وأهمّها الغروب والنّهار المودّع...
ويستحضر الشاعر الزمن الآتي من غيبه مع أنّه لم يستخدم فعل الأمر، ولكن المستقبل الذي سيتحقّق معلوم من الشاعر، فهو يستحضر فعل الالتقاء بالموت، ولكنّه الموت حبّاً، وعلى الرغم من أن صوت الشاعر هو الصوت الوحيد الذي نسمعه في النص، وهوصوت متشائم فإن الخلاص ينبثق من هذا التشاؤم، فالعشق في الرومانسية يساوي الموت، والموت تطهير ودليل على الوفاء، ولذلك فإن الشاعر العذري يتقابل ويوازي ويتداخل مع الشاعر الرومانسي، وثمة دلائل وإشارات زمنية تدلّ إلى هذا الزمن، وأهمّها يومي الزائل، مسائي، والعنوان "المساء".
أحدث أقدم

نموذج الاتصال