مقولة النص أو رسالته في قصيدة المساء لمطران خليل مطران.. عنوان انزياحي رومانسي يعكس إحساسات الشاعر وتجربته



النّص (قصيدة المساء لمطران خليل مطران) رسالة أو خطاب موجّه من الشاعر إلى حبيبته الغائبة، وهي رسالة تحمل في طيّاتها ألمين: ألم المرض الذي أصبح الشاعر رهيناً له، وهو ألم سطحي بالقياس إلى الألم الآخر الذي يعانيه الشاعر من جرّاء هجران الحبيبة له، وهو الألم الحقيقي الذي يقضّ مضجعه، وهو دافع الشاعر لنظم هذه القصيدة.
والرسالة على الصعيد اللغوي متّصلة بالعنوان، وهو عنوان انزياحي رومانسي "المساء"، ولكنّ أداة التعريف تؤكد وجدانية العنوان والقصيدة معاً، ولذلك فالنّص من الشعر الغنائي يخصّ إحساسات الشاعر وتجربته، والشاعر هو الراوي، وهو الموضوع، وهو يحكي ألمه، ويرويه مباشرة من خلال ضمير مفردالمتكلّم (أنا).
والرسالة على الصعيد الشمولي صحيحة، فهجران الحبيبة في الشعر الرومانسي خاصّ وعام، وليس هناك قصيدة رومانسية تخلو من مسحة الحزن أو الألم، وكأنّ هؤلاء الشعراء أحبّوا الألم، وعشقوا تعذيب أنفسهم، فعاشوا في ظلال الحرمان، واستعذبوا الألوان القاتمة واللوحات الظليلة، وهو ما سُمِّي بـ "مرض العصر" (Le mal du siécle) الذي ابتدعوه، وطبقوه على أنفسهم، ولذلك فإنّ الخاص يصحّ أن يكون عامّاً، ويتحوّل هذا الخطاب الخاص إلى خطاب شامل يصلح لأيّ تجربة شبيهة بتجربة الشاعر، والحبّ تجربة إنسانية عامة، والهجران كثير في مثل هذه الحالات، وبذلك يطرح الشاعر تجربته من خلال رسالته، فيخرج النّص من دائرة الوعي الذاتي إلى مدار الوعي الجماعي، ومن التجربة الذاتية إلى مجال التجربة الرومانسية التي تشكّل هذه القصيدة أهم أبعادها ومفاتيحها؛ فالمساء الذي تنقله إلينا الرسالة هو ما يخصّ الشاعر، ولكنّه في الوقت ذاته، مساء رومانسي.
وتطالعنا في هذه الرسالة صفات المرسل والمرسَل إليه والعلاقة بينهما، فالشاعر/ البطل عاشق، وحبّه عذري، وهو يتعذّب ويكتوي بنار الهجران، وهذه الحالة شبيهة إلى حدّ بعيد  بحالة ابن زيدون مع ولاّدة التي أرسل إليها من سجنه ومن خارجه الرسائل الشعرية، ولكنها ما ردّت عليه جواباً، ولا أجابته، ولا تجاوبت معه أو مع رسائله ودموعه، وهي شبيهة أيضاً إلى حدّ ما بحالة جميل مع بثينة والمجنون مع ليلاه، والشاعر البطل مستعدّ لأن يضحّي بحياته من أجل لقاء واحد، بل ما أسعده  حين يموت بين يديّ الحبيبة، ثمّ إنّ الحبيبة هي مصدر الفعل والفاعلية في هذا العاشق، فهي تلتقيه زمناً وتهجره أزماناً، ولذلك فإن الحبيبة هي صاحبة الأمر والنهي، وإن الهجران ذو فاعلية حتمية، وهو الذي سوف يودي بالعاشق البطل.
وصورة الحبيبة في هذا الخطاب صورة المرأة العابثة، فهي التي أضاعت عمر الشاعر الزمني وعمره اللاّزمني (الفنّي)، وهي التي تجرّه إلى حتفه، فهي شبيهة إلى حدّ بعيد بالسيرينات “SIRةNES” في الأساطير الإغريقية، وهن يجذبن من يستمع إلى غنائهن إلى التهلكة، أو هي إحدى حفيدات السيرينات، فهي تقود من يحبّها إلى الضياع والضلال والرياء والعطش والموت، وهكذا تتحوّل إلى فاعلية شريرة وحركة متحوّلة مختلفة، في حين أنّ العاشق يظلّ على حالة واحدة.