التجديد الشعري عند خليل حاوي.. التطور المادي لا يعني بالضرورة أن يعقبه تطور فني وتطور الفن مستقل نسبياً ولا يتطابق مع تطور المجتمع



إذا كان أدونيس لا يميز بين القانون العلمي والقانون الفني أحياناً فإن خليل حاوي يؤكد أن القانون الذي يشمل العلوم غير القانون الذي يشمل الفنون وإلا كان الحديث زمنياً أفضل من القديم، (ولكان على سبيل الإيجاز أي من شعراء العصر الحاضر أرفع مرتبة من المتنبي وشكسبير وغوته، وذلك بفعل عامل واحد بسيط وهو تقدمه على هؤلاء في الزمن).

لذلك يرفض خليل ما قام به بعض الرواد وعلى رأسهم أدونيس الذي يرى التطور الفني انتقالاً من مذهب إلى آخر قد يعارضه، حتى أصبح إنتاج الشاعر طبقات بعضها فوق بعض، وشرط التطور أن يكون من الداخل انطلاقاً من التجربة الأولى.

ويتفق عبد المعطي حجازي مع حاوي فيذهب إلى أن التطور المادي لا يعني بالضرورة أن يعقبه تطور فني.

فقد يزدهر المجتمع ويتدهور الفن برغم ذلك، وقد يزدهر الفن في مجتمع منحط اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً.

لقد ازدهر الشعر العربي في عصر البداوة وانحط عندما بلغت الحضارة الإسلامية أوجها في عصر الانحطاط.
وهذا يعني أن تطور الفن مستقل نسبياً ولا يتطابق مع تطور المجتمع.

أما أدونيس فيعتقد أن تطور الفن نتيجة حتمية لتطور المجتمع إذ يقرر أن الشعر الإسلامي يعاني من انفصال الشكل عن المحتوى بدعوى أنه يحمل قيماً إسلامية في شكل قديم جاهلي فيقول: (ثم إنه في كل تطور حضاري يتطابق الشكل والوظيفة بحيث أن تغير الوظيفة يستتبع تغير الشكل.

لكن مع أن وظيفة الشعر في المجتمع العربي تغيرت في الإسلام عما كانت عليه في الجاهلية فإن شكله لم يتغير.

وهذا مما أكد الانفصال بين الكلام والمعنى، أو الشكل والمحتوى وأدى إلى جعل التعبير الشعري نوعاً من المطابقة بين الكلام والمعنى القديم).

وهذا يعني أن أدونيس يفهم العلاقة بين الحديث والقديم فهماً آلياً وكأن هناك تطابقاً بين الفن والمجتمع.
على أن تطور الفن قد يتأخر عن تطور المجتمع زمناً طويلاً، وقد يسبق الفن تطور المجتمع. ثم إن تطور الفن لا يعني بالضرورة التقدم نحو الأفضل دائماً فقد يكون تطوراً نحو الأسوأ.

والتطور ليس حاجة ماسة ضرورية في كل الأوقات إذ قد يكون الثبات مطلوباً أحياناً أكثر من التجديد.
فالثبات ليس قيمة سلبية دائماً، والتقدم الفني ليس قيمة إيجابية دائماً.

فقد يحتاج المجتمع في بعض فترات تطوره إلى ثبات نسبي وإلا أصبح التجديد زلزلة مستمرة لكل القيم القديمة، وأصبحت الحياة جحيماً لا يطاق.

من هنا نرى أن فترة النهضة التي قامت بإحياء التراث ضرورة حتمية تفرضها تحديات المرحلة، وأن إدانة بعض رواد الشعر العربي الحر وعلى رأسهم أدونيس للتقليد في هذه الفترة يفتقد إلى الحجة لأنه ينتصر للتجديد متجاهلاً الظروف المحيطة بالمجتمع والتحديات التي كانت تواجه الأمة العربية الإسلامية آنئذ.

وإن حركات التجدد التي أعقبتها ما كانت لتقوم لها قائمة لولا مرحلة الإحياء التي مهدت الطريق لذلك.

وإن حركة الشعر الحر لم تكن لتظهر إلى الوجود لولا حركات التجديد التي قامت بها جماعة الديوان وشعراء المهجر وجماعة أبولو.


المواضيع الأكثر قراءة