إنّ فهم الأدب المقارن على هذا الشكل هو فهم أكثر انسجاماً مع التسمية المصطلحية نفسها، أيّ "الأدب المقارن".
فالمفهوم نفسه لا يحصر المقارنات في الظواهر الأدبية التي تقوم بينها صلات تأثير وتأثر، بل يترك باب المقارنة مفتوحاً أمام كلّ الموازنات التي يمكن أن تجري بين ظواهر أدبية تنتمي لأكثر من أدب قومي، شريطة أن تكون هذه الموازنات مجدية وغير اعتباطية.
والموازنات المجدية هي الموازنات ذات القيمة المعرفية الكبيرة، التي تساعدنا في فهم الظواهر الأدبية المقارنة وتفسيرها بصورة أفضل.
ولا نظنّ أنّ أحداً يختلف مع الدكتور هلال حول ضرورة أن يبتعد الأدب المقارن عن المقارنات "التي لا تشرح شيئاً"، ولكن كيف يمكننا أن نجزم مسبقاً بأنّ المقارنة بين ظواهر أدبية تنتمي إلى آداب قومية مختلفة هي مقارنة عديمة الفائدة، لا لشيء إلاّ لأننا لم نتمكن من البرهنة بصورة تاريخية على وجود صلات تأثير وتأثر بين تلك الظواهر؟!
إنّ مقارنات كهذه، كما برهن فيكتور جيرمونسكي ومقارنون آخرون نظرياً وتطبيقياً، يمكن أن تكون لها قيمة معرفية تفوق بكثير قيمة الموزانات المحصورة في نطاق ضيّق، التي يريد الدكتور هلال أن يقصر الأدب المقارن عليها دون مسوّغات نظرية أو تطبيقية مقنعة.
وما دمنا قد جعلنا القيمة المعرفية للمقارنة مسوغاً وحيداً لمشروعية تلك المقارنة، فمن الضروري أن نسأل أنفسنا: ما الفائدة من عقد المقارنات والموازنات بين الآداب القومية المختلفة؟
هل تنتهي تلك الفائدة عند "تبيّن ما هو قوميّ وما هو دخيل، وتبيّن أهمية اللقاح الأجنبيّ في إخصاب الأدب القوميّ وتكثير ثمراته"، كما يرى الدكتور هلال؟
أم تتجاوز فوائد البحث المقارني الفائدة الآنفة الذكر، بحيث تساعدنا في فهم الظواهر الأدبية وتفسيرها بشكل أفضل، كما يرى مقارنون آخرون، من أمثال الروسيّ فيكتور جيرمونسكي والأمريكي هنري ريمارك؟
إنه سؤال لم نترك لبساً في موقفنا منه.
التسميات
أدب مقارن