النزعة التاريخية في الدراسات الأدبية.. المعرفة الصحيحة تستند إلى قاعدة تجريبية أو إمبيرية قابلة للمراجعة بصورة عبر ذاتية

ترافق انتشار النزعة التاريخية في الدراسات الأدبية مع انتشار نزعة أخرى، هي النزعة الوضعيّة (Positivismus).

وهي فلسفة ترى أنّ المعرفة الصحيحة هي التي تستند إلى قاعدة تجريبية أو إمبيرية قابلة للمراجعة بصورة عبر ذاتية.

أمّا المعرفة التي تقوم على التخمين والحدس والتفكير والمقارنة فقط، فهي معرفة غير موثوقة ولا يعتدّ بها.

انتقلت هذه النزعة إلى الدراسات الأدبية أيضاً، ودعا أنصارها، وأبرزهم الناقدان الفرنسيّان سانت-  بف (Sainte-  Beuve) و تن (H. Tain) إلى تحويل تلك الدراسات إلى علم موضوعي يقوم على أساس تجريبي كالعلوم الأخرى.

وقد عبّرت النزعة الوضعية عن نفسها في الأدب المقارن من خلال دعوة "المدرسة الفرنسية التقليدية" إلى اعتماد المنهج التجريبي في دراسات التأثير والتأثر، وذلك بعدم الاكتفاء بتخمين وجود التأثير، بل البرهنة على وجوده بالأدلة والوثائق الملموسة التي لاتدع مجالاً للشك.

شكّل هذا التواؤم بين النزعتين التاريخية والوضعية أساساً نظرياً لما يعرف بالمدرسة الفرنسية في الأدب المقارن، وهي مدرسة ترى في الأدب المقارن علماً يدرس علاقات التأثير والتأثر (أو التبادل) بين الآداب القومية بطريقة علمية صارمة.

وقد أدى هذا الأساس النظري إلى ظهور اتجاه ساد الأدب المقارن مايربو على قرن وربع القرن من الزمان، وحوّله إلى نوع من الدراسات الأدبية التي لاهمّ لها سوى تقصّي علاقات التأثير والتأثر بين الآداب القومية بهدف المساهمة في تأريخها.

في ضوء الأرضية النظرية السابقة الذكر تحددت التوجّهات التطبيقية للأدب المقارن في مايعرف بدراسات التأثير، وصدر عدد كبير من الدراسات المقارنة التي يُستقصى فيها تأثر أديب معيّن كالألماني غوته بأديب أجنبي معين كشكسبير، أو بجنس أدبي محدد، أو بأدب قومي معين كالأدب الإنكليزي، أو بمادة أدبية محددة، أو بمدرسة أدبية كالرومانسيّة، إلى آخر ذلك من مواضيع.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال