ربط الشعر بالتراث عند يوسف الخال وعبد المعطي حجازي وصلاح عبد الصبور.. الحركة الشعرية الحديثة امتداد للتراث وولادة جديدة له

إذا كان رواد الشعر العربي الحر لم يتفقوا على مفهوم محدد للتراث فقد اتفق أغلبهم على ربط الشعر بالتراث.

فالحركة الشعرية الحديثة امتداد للتراث وولادة جديدة له فلا حاضر دون ماض ولا مستقبل دون حاضر.

فهي عند يوسف الخال حركة تطورية تنبع من داخل تراث الأدب العربي لا من خارجه، وهي حقيقة تفرضها اللغة العربية وثقافتها.

فالشاعر إنما يتعلم هذه اللغة التي يكتب بها ويشكلها مثلما تشكله لأنها مرتبطة بثقافة معينة.

وتعد اللغة عند عبد المعطي حجازي سبباً أول لارتباط القصيدة الجديدة بالتراث العربي، أما السبب الثاني فهو فني يكمن في أن هذه القصيدة امتداد للحساسية الشعرية العربية.

فكل قصيدة هي امتداد لقصائد سابقة، وكل شاعر هو امتداد لأجداده الشعراء.
فالمتنبي مخبوء في شوقي وأبو تمام في السياب وعمر بن أبي ربيعة في نزار قباني.

كل شاعر إنما يقف على أكتاف شعراء قبله ليصبح أطول منهم كما يعبر صلاح عبد الصبور.

على أن الارتباط بالتراث عند هؤلاء الرواد لا يعني الاستعادة أو الخضوع لـه، فذلك تقليد يميته، ولا يعني الانفصال عنه فذلك يقتل القصيدة الجديدة ذاتها.

وإنما يعني الحوار معه لتملكه أولاً وتجاوزه وإثرائه ثانياً.
إن العلاقة بين التراث والحداثة إنما تقوم عند رواد الشعر الحر على الاتصال والانفصال في الوقت نفسه.
فالشعر إبداع وخلق لا إعادة إنتاج للموروث الشعري أو مجاراة له.

لذلك يقول عبد الصبور: (إن معرفة التراث لا يمكن أن تفضي إلى المعارضة الساذجة كما أفضت بشوقي إلى معارضة قصائد ابن زيدون والبحتري وأبي تمام والبوصيري، بل تفضي بالشاعر إلى التجاوز لهذا التراث بعد تبني أجمل ما فيه.

ذلك أن التجاوز هو منهج الشاعر المحدث في إدراك المحدث، ولكن التجاوز لا يتيسر إلا بعد المعرفة الصادقة وبعد اختيار الآباء والأجداد الشعريين).
فالتجاوز عند عبد الصبور هو نتيجة للاختيار القائم على المعرفة.

والاختيار ضرورة للخلق والإبداع، ذلك أن في التراث ما هو صالح يمكن الاستفادة منه وما هو فاسد ينبغي إطراحه.

ولا يمكن أخذ التراث جملة بل يجب استخلاصه ما يمكن أن يعود بالنفع على الواقع الجديد كما يقرر بلند الحيدري.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال