نظرية الأدب الماركسية والاستغناء عن الأدب المقارن.. الدراسات النقدية الماركسية للأدب وتجاوز الحدود اللغوية والقومية للآداب

هل نظرية الأدب الماركسية قادرة على الاستغناء عن الأدب المقارن بصورة كاملة؟ والجواب عن هذا السؤال هو (نعم)  و (لا) في الوقت نفسه.

نعم، لأنّ الدراسات النقدية الماركسية مارست دراسة الأدب نقدياً بصورة تتجاوز الحدود اللغوية والقومية للآداب، وذلك بمعزل عن الأدب المقارن.

فلمؤسسي الفلسفة الماركسية، كارل ماركس وفريدريك إنجلز، كتابات حول الأدب والفنّ، لا تقتصر على أدب قومي واحد، بل تتعلق بآداب قومية مختلفة.

وقد اتسمت الكتابات النقدية الماركسية اللاحقة بأفق أممي رحب، دون أن تغفل الخصوصية القومية لكل أدب.

وأبرز مثال على ذلك الفيلسوف الماركسي المجري جورج لوكاتش (Georg Lukuacs) الذي يعدّ بحق واحداً من كبار النقاد ومنظري الأدب في هذا القرن.

لقد درس لوكاتش (الرواية)  كجنس أدبي، ووضع نظرية لها في ضوء ارتباطها بتطور المجتمع الأوروبي من مجتمع إقطاعي إلى مجتمع رأسمالي بورجوازي، وصاغ مقولته الشهيرة: "الرواية هي ملحمة العصر البورجوازي".

ودرس لوكاتش "البطل الإشكالي" في روايات تنتمي إلى آداب قومية مختلفة، وليس في أدب واحد فقط، كما درس الاتجاه الواقعي في الأدب بصورة تتجاوز الحدود اللغوية والقومية: درسه في الأدب الفرنسي والروسي والألماني، ووضع نظرية "التنميط" (Typisierung) بالنسبة للبطل الروائي الواقعي، وصاغ نظرية جديدة للواقعية تستند إلى الفلسفة الماركسية.

لقد قدّم لوكاتش مساهمات كثيرة في نقد الأدب والتنظير له، دون أن يحفل بمسألة التأثير والتأثر، أو أن يتطرق إليها أو يوليها أي اهتمام، علماً بأنّ الرواية جنس أدبي ظهر في عدة آداب أوروبية، وانتشر في الآداب غير الأوروبية أيضاً.
إنه ظاهرة أدبية تجاوزت حدود الأدب القومي الواحد.

وكذلك الواقعية كتيار أدبي. فهي غير محصورة في أدب قومي واحد. لم يدرس جورج لوكاتش هاتين الظاهرتين الأدبيتين العالميتين من زاوية التأثير والتأثر، كما يفعل المقارنون التقليديون، ولو فعل ذلك لما توصّل إلى نظرية الرواية ونظرية الواقعية، بل درسهما مغفلاً مسألة التأثير والتأثر.

ألم يسمع لوكاتش بالأدب المقارن ويطلع على مؤلفاته؟ لانتصور أن يكون ذلك هو السبب.
فلوكاتش كان مفكراً وناقداً معاصراً بكل ما تنطوي عليه كلمة "المعاصرة" من معانٍ، ومن المؤكد أنّ وجود دراسات التأثير لم يفته، ولكنه لم يبدِ اهتماماً بتلك الدراسات.

وعلى أية حال فإنّ كتابات نظرية ونقدية بمستوى كتابات لوكاتش تجعل دراسات التأثير والتأثر، والأدب المقارن في صورته التقليدية، تبدو عقيمة وتافهة.

ومما لاشكّ فيه أنّ كتابات جورج لوكاتش في النقد ونظرية الأدب تدلّ بصورة لالبس فيها على أنّ نظرية الأدب الماركسية قادرة على أن تستغني عن الأدب المقارن التقليدي، دون أن يؤثّر ذلك في تماسكها وقدرتها على الإقناع.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال