من أشكال التلقي التي أثارت اهتمام المقارنين "التلقي النقدي"، والمقصود به ما يمارسه النقّاد من نشاطات تفسيرية وتأويلية للأعمال الأدبية الأجنبية.
فالناقد كالمبدع والمتلقي العادي، متلقٍ، ولكنه متلقٍ من نوع خاصّ.
إنه لا يتلقى العمل الأدبي بغرض الاستمتاع به، ولا بغرض الاستفادة منه إنتاجياً، بل يتلقاه ليقوم بعد ذلك بشرحه وتفسيره وتقديمه لمتلقين آخرين.
إنّ نشاطه هو في نهاية المطاف نشاط توسيطي، يتمثل في استيعاب العمل الأدبي وشرحه وتفسيره.
ولا يقتصر هذا النوع من النشاط النقدي على أعمال من الأدب القومي، بل يتعداها إلى توسيط أعمال أدبية أجنبية بصور مختلفة.
ولذلك كان هذا النوع من التلقي موضع اهتمام الأدب المقارن.
فمن المهمّ أن يعرف المرء كيف يُستقبل العمل الأدبي نقدياً خارج مجتمعه وثقافته الأصليين.
وعند دراسة هذه المسألة فإنه يفاجأ بالفرق الكبير بين تلقي العمل الأدبي نقدياً، أي شرحه وتفسيره، داخل ثقافته الأصلية وبين تلقيه نقدياً، أي فهمه، خارج تلك الثقافة، تقدم نظرية التلقي تفسيراً مقنعاً لهذه الظاهرة.
فتلقي العمل الأدبي خارج مجتمعه وثقافته الأصليين يخضع لعوامل واعتبارات نابعة من الطرف المتلقي وأفق توقعاته، وهو أفق يختلف كثيراً عن أفق التوقعات السائد في المجتمع الذي ينتمي إليه العمل الأدبي في الأصل.
ولعل أوضح مثال على ذلك هو النقاش الذي شهده النقد الأدبي العربي حول الأديب التشيكي/ الألماني فرانز كافكا (Franz Kafka).
فهو نقاش لايمكن أن يفهم إلاّ إذا رُبط بأفق التوقعات السائد في المجتمع العربي المعاصر.
إنّ دراسات التلقي النقدي هي ميدان خصب من ميادين الأدب المقارن، ونوع من الدراسات المقارنة التي ظهرت وتطورت نتيجة التفاعل المنتج الذي تمّ بين الأدب المقارن وبين "نظرية التلقي الأدبي".
وعموماً فإنّ ذلك التفاعل كان مثمراً جداً، فقد أغنى الأدب المقارن وفتح له آفاقاً ومجالات جديدة، وزوّده بأدوات نظرية معاصرة، وخلّصه من ثغرات نظرية كبيرة، وحرره من عبء مفاهيم بالية، وفي مقدمتها مفهوم "التأثير" ودراساته.
ولذا لاعجب من أن تحلّ دراسات التلقي المنتج والنقدي محلّ دراسات التأثير التقليدية، وأن تتحول تلك الدراسات إلى ميدان رئيس من ميادين الأدب المقارن المعاصر.
التسميات
أدب مقارن