أولا يتعين مراجعة برامج التعليم الأساسي ومناهجه قصد تطوير قدرات العمال على مواجهة أوضاع مهنية بالغة التقلب.
المقصود حسب المجلس الأوربي، المجتمع بأمستردام سنة 1997، «إعطاء الأسبقية لتطوير الكفايات المهنية والاجتماعية لأجل أفضل تكيف للعمال مع تحولات سوق العمل».
وفي ذلك الإطار، لم يعد دور المدرسة، بما هي مكان لتلقين المعارف، دورا رئيسيا كما ذي قبل.
وتوضح السيدة كريسون قائلة: «أضحت المعرفة في مجتمعاتنا واقتصادياتنا في تحول سريع ومنتوجا معرضا للتلف.
إذ ما نتعلمه حاليا سيغدو متجاوزا، لا بل غير مجد مستقبلا».
أما المعارف العامة، تلك التي تؤسس ثقافة مشتركة وتمنح قدرة على فهم العالم في أبعاده المتعددة، فإنها في الحقيقة لم تكن يوما ما مهمة على الصعيد الاقتصادي.
إذ أن برامج التعليم الثانوي العام، التي نقول عنها اليوم إنها «مثقلة» بالمعارف، هي ذكريات موروثة عن مرحلة كان فيها التعليم خاصا بأبناء الطبقات الحاكمة، لجعلهم حكام المستقبل.
كان لازما مدهم بأسلحة المعرفة والرموز الثقافية لانتمائهم الطبقي ولشرعنة السلطة.
إلا أن تلك البرامج، غير الملائمة لطموح رفع مستوى التكوين المهني للجماهير، استمرت بشكل واسع في حقبة إضفاء الطابع الجماهيري على التعليم.
ولاشك ان ذلك يعود جزئيا إلى كون الاعتبارات الكمية استقطبت كل الاهتمام.
أما الآن وقد حول السياق الاقتصادي الاهتمام نحو المضامين ونحو السعي إلى تحقيق قابلية التشغيل ، تتعرض كل جوانب «تكديس» للمعارف العامة ذاك للهجوم.
وكالعادة يتذرع الهجوم بالتضخم الفعلي لبعض البرامج، لتبرير التخلي عن هدف كل تعليم: ألا وهو تلقين المعارف.
ويتجسد هذا الميل في إبراز بعض النظريات البيداغوجية، مثل نظرية «المقاربة عبر الكافيات»،.
إذ أن تلك النظريات تضع المعرفة في مرتبة بعد الكفاية ُمعرفة هذه الأخيرة بكونها « مجموعة مندمجة ووظيفية من المعارف والمهارات والدرايات (savoir-être et savoir-devenir)، تتيح بوجه جملة أوضاع التكيف وحل مشاكل وتحقيق مشاريع ».
ليس المهم امتلاك ثقافة مشتركة ما، بل قدرة تعلم معارف جديدة وتوظيفها في أوضاع غير متوقعة.
حذار من الانخداع بالكرم الظاهر للمشروع: فبسبب انعدام الأسس الكافية، سوف ستظل «المعارف الجديدة» التي سيتمكن منها مواطنو المستقبل «مدى حياتهم» محصورة في مجالات أولية كمعرفة تشغيل حبكة معلوماتية logiciel جديدة واستعمال آلة جديدة والتأقلم في بيئة عمل جديدة.
إن السعي إلى استخدام التعليم أداةً في المنافسة الاقتصادية أمر جلي.
ومن الكفايات التي تلح بشأنها أوساط أرباب العمل، ينبغي ذكر تلقين تكنولوجيا الإعلام والاتصال.
إذ تشير وثيقة تركيبية للجنة الأوربية حول أهداف التعليم: «ترى كل الدول الأعضاء ضرورة إعادة النظر في الكفايات الأساسية التي ينبغي على الشباب تحصيلها لحظة مغادرة المدرسة أو إتمام التكوين الأولي، وترى وجوب اشتمال تلك الكفاية كليا على تكنولوجيا الإعلام والاتصال».
ولا يعني هذا وجوب تكوين جماهير غفيرة من الإعلاميين. ولقد رأينا سبب انعدام الحاجة إلى ذلك.
وبالمقابل، يلزم كل شغيلة المستقبل تعلم التطور في بيئة تهيمن عليها تلك التكنولوجيا، واكتساب مبادئ الحوار بين الإنسان والآلة عبر استعمال َملمس clavier وماوس souris وتعلم الرد على الأوامر التي تظهر على شاشة كومبيتور، و التعود على التكيف بسرعة، وحدسيا تقريبا، مع حبكات إعلامية logiciels متعددة ومتغيرة.
تلك أولى وظائف إدخال تقنيات الإعلام والاتصال إلى المدرسة.
ويتيح هذا فهم أمور عديدة تخص طريقة تحقيق ذلك الإدخال حاليا.
ولابد من ملاحظة أنه يجري الاستثمار كثيرا في الآلات وقليلا جدا في مجال التكوين.
ويبدو أن المهم هو إتاحة الفرصة للتلاميذ لـ«التصرف حدسيا» للتغلب على مخاوفهم واكتساب ردود الفعل الجيدة الأساسية، وليس ان يحسن المدرس استعمال الكومبيوتر بما هو وسيلة بيداغوجية جديدة (غير وارد لدينا إنكار فائدة الكومبيوتر المحتملة).
سيكون مستخدم شركة كوكاكولا، الذي سيأتي مستقبلا لشحن موزع المشروبات الآلي في مدارسنا، قادرا بسرعة على استعمال منظومة توجيه معلوماتية لتدليل صعاب المرور.
ولكن من المستعبد جدا أن يساعده الكومبيوتر المدرسي كثيرا على تعلم التاريخ او الفيزياء.
كما يقوم إدخال تقنيات الاتصال والإعلام TIC إلى المدرسة بدور آخر على صعيد إعداد اليد العاملة.
ويتعلق الأمر، حسب اللجنة الأوربية، بوضع « قدرة التكنولوجيا الجديدة على الابتكار في خدمة متطلبات ونوعية التكوين مدى الحياة». ويتعين على العمال، لأجل ضمان دوران سريع ومرونة مهنية قصوى، استخدام الكومبيوتر وإنترنت لتحيين معارفهم وكفاياتهم «من المهد إلى اللحد»، بالارتباط بشبكات التكوين عن بعد أو باستعمال ركائز معلوماتية متعددة الوسائط.
إذا تعلم العمال كافةً استخدام إنترنت لبلوغ المعارف، فمن السهل الضغط عليهم ليحافظوا على مستوى تنافسيتهم المهنية خلال نهاية عطلتهم الأسبوعية أو في أمسياتهم باستخدام الكومبيوتر وبالربط بشبكات إنترنت على نفقاتهم الخاصة.
ذلك معنى وصلة إعلان تجاري لمجموعة Sysco Systems حيث نرى رجلا جالسا على مصطبة عمومية يجول في الشبكة بواسطة كومبيوتر وهاتف محمولين، والنص الإعلاني يقول: «تعلموا تقليص كلفة تكوينكم بنسبة 60%».
يستتبع تحقيق ذلك الهدف «تحميل المسؤولية» للعامل فيما يخص تكوينه، ودفعه ليتحمل بنفسه الحفاظ على معارفه وكفاءاته في المستوى المطلوب حتى يظل «قابلا للتشغيل» employable.
تقول اللجنة الأوربية: «يعود الدور الرئيس في مجتمعات المعرفة إلى الأشخاص أنفسهم».
وتضيف «يكمن العنصر المحدد في تلك القدرة لدى الإنسان على خلق معارف وتوظيفها بطريقة فعالة وذكية، في بيئة متغيرة باستمرار.
ولأجل الإفادة الأمثل من تلك المهارة، يتعين أن تكون لدى الأفراد الرغبة والوسائل لامساك زمام مستقبلهم بأيديهم».
التسميات
كفايات