الدعاء وبيان بركته وفضله كوسيلة لاستمداد القوة من الله سبحانه وتعالى



علينا دائماً أن نكون قدوة للأطفال بأن نرفع أيدينا دائماً بالدعاء لله وطلب كل ما نريده ونبين لهم أن الإنسان ضعيف وفقير إلى الله يستمد قوته منه وحده سبحانه.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (15) سورة فاطر.

إن الناس في حاجة إلى تذكيرهم بهذه الحقيقة في معرض دعوتهم إلى الهدى،ومجاهدتهم ليخرجوا مما هم فيه من الظلمات إلى نور اللّه وهداه. في حاجة إلى تذكيرهم بأنهم هم الفقراء المحاويج إلى اللّه. وأن اللّه غني عنهم كل الغنى. وأنهم حين يدعون إلى الإيمان باللّه وعبادته وحمده على آلائه فإن اللّه غني عن عبادتهم وحمدهم، وهو المحمود بذاته. وأنهم لا يعجزون اللّه ولا يعزون عليه فهو إن شاء أن يذهب بهم ويأتي بخلق جديد من جنسهم أو من جنس آخر يخلفهم في الأرض.

فإن ذلك عليه يسير الناس في حاجة إلى أن يذكروا بهذه الحقيقة،لئلا يركبهم الغرور وهم يرون أن اللّه - جل وعلا - يعنى بهم، ويرسل إليهم الرسل ويجاهد الرسل أن يردوهم عن الضلالة إلى الهدى، ويخرجوهم من الظلمات إلى النور. ويركبهم الغرور فيظنون أنهم شيء عظيم على اللّه! وأن هداهم وعبادتهم تزيد شيئا في ملكه تعالى! واللّه هو الغني الحميد.

وإن اللّه سبحانه يمنح العباد من رعايته، ويفيض عليهم من رحمته، ويغمرهم بسابغ فضله - بإرسال رسله إليهم، واحتمال هؤلاء الرسل ما يحتملون من إعراضهم وإيذائهم، وثباتهم على الدعوة إلى اللّه بعد الإعراض والإيذاء.. إن اللّه سبحانه إنما يعامل عباده هكذا رحمة منه وفضلا وكرما ومنا. لأن هذه صفاته المتعلقة بذاته. لا لأن هؤلاء العباد يزيدون في ملكه شيئا بهداهم، أو ينقصون من ملكه شيئا بعماهم. ولا لأن هؤلاء العباد مخلوقات نادرة عزيزة صعبة الإعادة أو الاستبدال، فيغتفر لهم ما يقع منهم لأنهم صنف لا يعاد ولا يستبدل.

وإن الإنسان ليدهش ويحار في فضل اللّه ومنه وكرمه، حين يرى هذا الإنسان الصغير الضئيل الجاهل القاصر، الضعيف العاجز، ينال من عناية اللّه ورعايته كل هذا القدر الهائل! والإنسان ساكن صغير من سكان هذه الأرض.

والأرض تابع صغير من توابع الشمس. والشمس نجم مما لا عد له ولا حصر من النجوم.والنجوم إن هي إلا نقط صغيرة - على ضخامتها الهائلة - متناثرة في فضاء الكون الذي لا يعلم الناس حدوده.

وهذا الفضاء الذي تتناثر فيه تلك النجوم كالنقط التائهة إن هو إلا بعض خلق اللّه! ثم ينال الإنسان من اللّه كل هذه الرعاية.. ينشئه، ويستخلفه في الأرض، ويهبه كل أدوات الخلافة - سواء في تكوينه وتركيبه أو تسخير القوى والطاقات الكونية اللازمة له في خلافته - ويضل هذا المخلوق ويتبجح حتى ليشرك بربه أو ينكره. فيرسل اللّه إليه الرسل، رسولا بعد رسول، وينزل على الرسل الكتب والخوارق. ويطرد فضل اللّه ويفيض حتى لينزل في كتابه الأخير للبشر قصصا يحدث بها الناس، ويقص عليهم ما وقع لأسلافهم، ويحدثهم عن ذوات أنفسهم، ويكشف لهم عما فيها من قوى وطاقات، ومن عجز وضعف، بل إنه - سبحانه - ليحدث عن فلان وفلان بالذات، فيقول لهذا: أنت فعلت وأنت تركت، ويقول لذاك: هاك حلا لمشكلتك، وهاك خلاصا من ضيقتك! كل ذلك، وهذا الإنسان هو الساكن الصغير من سكان هذه الأرض، التابعة الصغيرة من توابع الشمس، التائهة في هذا الوجود الكبير حتى ما تكاد تحس! واللّه -- سبحانه - هو فاطر السماوات والأرض، وخالق هذا الوجود بما فيه ومن فيه بكلمة. بمجرد توجه الإرادة. وهو قادر على أن يخلق مثله بكلمة وبمجرد توجه الإرادة..

والناس خلقاء أن يدركوا هذه الحقيقة ليدركوا مدى فضل اللّه ورعايته ورحمته. وليستحيوا أن يستجيبوا للفضل الخالص والرعاية المجردة والرحمة الفائضة بالإعراض والجحود والنكران. فهي من هذه الناحية لمسة وجدانية موحية، إلى جانب أنها حقيقة صادقة واقعة. والقرآن يلمس بالحقائق قلوب البشر لأن الحقيقة حين تجلى أفعل في النفس ولأنه هو الحق وبالحق نزل. فلا يتحدث إلا بالحق،ولا يقنع إلا بالحق، ولا يعرض إلا الحق، ولا يشير بغير الحق..[1].

 وقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (60) سورة غافر.

يَحُثُّ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ عَلَى دُعَائِهِ، وَتَكَفَّلَ لَهُمْ بِالإِجَابَةِ عَلَى دُعَائِهِمْ؛ وَدُعَاءُ العَبْدِ رَبِّهُ دَلِيلٌ عَلَى إِيْمَانِهِ بِرَبِّهِ، وَخَوْفِهِ مِنْهُ، وَطَمَعِهِ فِي ثَوَابِهِ وَكَرَمِهِ، وَرَحْمَتِهِ، وَمَنْ اسْتَكْبَرَ عَنْ عِبَادَةِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ لاَ يَهْتَمُّ بِإِجَابَةِ دُعَائِهِ لأَنَّهُ لاَ يُؤْمِنُ بِاللهِ، وَأَنَّهُ وَاحِدٌ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مَعْرِفَةِ أَحْوَالِ الخَلاَئِقِ، وَتَصْرِيفِ شُؤُونِهِمْ، وَإحْصَاءِ أَعْمَالِهِمْ، وَإِعَادَةِ بَعْثِهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ لِيُحَاسِبَهُمْ عَلَيْهَا، وَيَجْزِيَهُمْ بِهَا.

وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ فَإِنَّهُ سَيُدْخِلُهُمُ النَّارَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَهُمْ أَذِلاءُ صَاغِرُونَ.[2].

وللدعاء أدب لا بد أن يراعى. إنه إخلاص القلب للّه. والثقة بالاستجابة مع عدم اقتراح صورة معينة لها، أو تخصيص وقت أو ظرف، فهذا الاقتراح ليس من أدب السؤال. والاعتقاد بأن التوجه للدعاء توفيق من اللّه، والاستجابة فضل آخر...

فأما الذين يستكبرون عن التوجه للّه فجزاؤهم الحق أن يوجهوا أذلاء صاغرين لجهنم! وهذه نهاية الكبر الذي تنتفخ به قلوب وصدور في هذه الأرض الصغيرة، وفي هذه الحياة الرخيصة،وتنسى ضخامة خلق اللّه.

فضلا على نسيانها عظمة اللّه.ونسيانها للآخرة وهي آتية لا ريب فيها.ونسيانها للموقف الذليل في الآخرة بعد النفخة والاستكبار.[3]

[1]- فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (5 / 2937).
[2]- أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 4072).
[3]- فى ظلال القرآن - موافقا للمطبوع - (5 / 3091).


ليست هناك تعليقات