اللغة سلوك يكتسب في وسط لغوي.. تعليم النسق العربي الفصيح دون وجود وسط لغوي يمكن إغماس المتعلم فيه

بالرغم من النقد الموجه للسلوكية إلى حد التبخيس، فإن هناك إجماعا على ضرورة توفر وسط ملائم لاكتساب اللغة، وأنه في غياب هذا الوسط (سواء أكان طبيعيا أو مصطنعا يستحيل اكتساب لغة ما، حتى وإن كان الطفل مزودا باستعدادات فطرية وقدرات لاكتساب اللغة.

وحتى وإن كان مبرمجا ليكون كائنا لغويا، فليس ليتكلم بلغة معينة، وإنما ليتكلم اللغة التي يجدها في وسطه وبيئته، عن طريق سمعه جملها... فهو يكتسبها، في حين لا نعرف كيف تعلمها، والأم بالذات – حسب ذ. زكريا – ليست ملزمة بأن تتخصص في مجال تعليم اللغة...

كما أن العائلة غير متخصصة بالضرورة في الألسنية و مكوناتها: علم الفونولوجيا وعلم التراكيب وعلم تعليم اللغات... ولا تفكر أبدا بوضع برنامج تعليمي لتدريس أطفالها اللغة.
وإنما يتم اكتسابها عن طريق تعرضه، مباشرة، للمظاهر اللغوية المحيطة به.

في حين أن المدرسة في الحقيقة لا تعلم إلا قراءة اللغة وكتابتها، أما اكتسابها فيتم بصورة طبيعية، وذلك في مرحلة سابقة على ذهاب الطفل إلى المدرسة.
و هذا ما يدفع د. ميشال زكريا إلى استبعاد إمكان قيام العائلة و المحيط بدور تعليمي مباشر.

وحتى على مستوى هذه الوظيفة المدرسية (تعليم قراءة اللغة) فإن عنصر السماع يبقى هو الأساس، حيث يرى ليوطار«أن القراءة هي السماع لا الرؤية، فالعين لا تقوم إلا بعملية كنس للعلامات المكتوبة، بحيث لا يسجل القارئ حتى الوحدات الخطية المميزة (إنه لا يرى القشور) بل يمتلك الوحدات الدالة و يبدأ عمله خارج الكتابة في الوقت الذي يؤلف فيه هذه الوحدات من أجل بناء معنى الخطاب، إنه لا يرى ما يقرأ بل يسعى إلى سماع معنى ما يريد قوله»، وبالتالي فإن «القارئ في العمل التواصلي يسمع فقط ما يقوله المتكلم».

والإشكال الجوهري هو أن اللغة العربية الفصحى لا وسط لها، فهل يمكن أن يشكل المسرح وسطا بديلا؟ الإشكال الجوهري: عندما يجمع اللسانيون و السيكولوجيون والسوسيولوجيون على أن الوسط اللغوي شرط أساس لاكتساب اللغة، فإن الحقيقة هي أن اللغة العربية الفصيحة عندنا لا وسط لها، بالإضافة إلى أن ما يمكن أن يكتسبه الطفل المغربي في المدرسة ولو على علّاته، لا يوظفه خارج المدرسة ولا يتواصل به ولا يروِّجه.. ومن ثمة فإن الإشكالية الجوهرية المطروحة على الديداكتيكيين والممارسين هي أنه يُفرض عليهم تعليم النسق العربي الفصيح دون وجود وسط لغوي يمكن إغماس المتعلم فيه، ومن ثمة تطرح ملحاحية ابتكار وسط مصطنع للنسق الفصيح، يكون بديلا للنسق الطبيعي الذي اندثر منذ قرون، وبذلك نقترح المسرح المدرسي وسطا بديلا.
فماذا يمكن أن يقدمه المسرح لتعليم اللغة العربية؟
أحدث أقدم

نموذج الاتصال