ما هي النتيجة في الجرائم المرورية؟.. وفاة المجني عليه أو إصابته في سلامة بدنه أو صحته



النتيجة في الجرائم المرورية:

لا يكفي لتحقق الجريمة المرورية ارتكاب الجاني للسلوك الإجرامي أي للفعل المكون للركن المادي لهذه الجريمة، بل يجب لتحقق ذلك أن ينشأ عن ذلك السلوك وفاة المجني عليه أو إصابته في سلامة بدنه أو صحته. 

المخالفة المرورية:

وهذه هي النتيجة الجرمية التي إذا لم تتحقق لا يمكن مساءلة الجاني عن سلوكه المتصف بالخطأ وفق القسمين 23و24 من قانون إدارة المرور، إلا أنه قد يسأل عن سلوكه المتصف بالخطأ فيما إذا كان مخالفا لأحكام قانون إدارة المرور أو الأنظمة أو الأوامر الصادرة بموجبه، فإذا قاد شخص سيارته بسرعة تزيد على السرعة المقررة قانونا أو بدون توفر أحد شروط المتانة والأمان ولم تحدث النتيجة الجرمية وهي الإصابة أو الوفاة فإن السائق يكون مسؤولا عن مخالفته فقط.

الجناية المرورية:

أما إذا نشأ عن سلوكه المخالف للقانون أعلاه وفاة أو إصابة شخص ما فإنه يُسأل عن النتيجة الجرمية الحاصلة، فلو تسبب الجاني بدعس شخص ما وتوقفت النتيجة الجرمية عند حد إصابته كنا هنا بصدد جريمة إصابة مرورية ينطبق عليها القسم 23من قانون إدارة المرور عند توفر الشروط الأخرى الواردة في هذا القسم أما إذا أدى الدعس إلى وفاة ذلك الشخص فإننا نكون أمام جناية مرورية ينطبق عليها القسم 24 من قانون إدارة المرور.

ومن الأمور المهمة التي تستدعي الإشارة إليها هو أنه ليس من الضروري ان تتحقق هذه النتيجة أي الوفاة أثر نشاط الجاني مباشرة فيصح أن يكون بينهما فاصل زمني فإن ذلك لا يمنع من مساءلة الجاني عن النتيجة التي حصلت متى توافرت العلاقة السببية.

الخطأ والنتيجة في جريمة القتل الخطأ:

كما أن الخطأ والنتيجة عنصران أساسيان لجريمة القتل الخطأ أما في القتل العمد فيشترط وجود النية ولا تهم النتيجة بل يجب العقاب على الجاني ولو لم تحدث النتيجة التي أرادها لأن الشروع في القتل العمد معاقبا عليه ([1]).  

الوفاة والإصابة في الجريمة المرورية:

ولما كانت النتيجة الضارة في الجريمة المرورية تتمثل بالوفاة أو الإصابة فإنه يقتضي توضيح كل منهما:

الـوفـاة:

تنتهي حياة الإنسان بموته وانتهاء وجوده، فهو يبقى متمتعا بحماية القانون حتى يلفظ نفسه الأخير، وعده ميتا يسقط عنه وصف الإنسان ويستحيل جثة أو رفاتا لا ترد عليه جريمة القتل([2]).

وقد حدد القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951معيار وجود الإنسان وذلك في المادة (34) التي تنص « تبدأ شخصية الإنسان بتمام ولادة الإنسان حيا وتنتهي بموته» إذ وفقا للقانون المدني يعدّ الإنسان موجودا بتمام ولادته حيا إلى حين وفاته.

ومن المعروف أن الحياة مجموعة من الوظائف تتعدد بتعدد أعضاء الجسم وأجهزته، والموت هو التوقف الأبدي لكل هذه الأعضاء  والأجهزة عن أداء وظائفها.
ولا شك في أن تقرير حدوث الوفاة مسألة فنية يركن فيها القاضي إلى أهل الخبرة من الأطباء، وهم يستدلون على الموت عادة بأعراض عامة أشهرها: توقف الجهاز العصبي والدموي والتنفسي وجهاز ضبط حرارة الجسم عن العمل غير أن للمسألة مع ذلك جانبا قانونيا يتعلق بماهية الموت نفسه، فالموت لا يقتحم الجسد كله في لحظة واحدة، بل على مراحل، ولهذا يفرق رجال الطب بين (موت الفرد) و(موت الأنسجة والخلايا).

فموت الفرد يعني توقف أجهزة الحياة لديه عن العمل توقفا تاما، أما (موت الأنسجة والخلايا) المكونة لها فلا يقع في ذات اللحظة، بل يتراخى إلى ما بعد موت الفرد، وقد تفصل بينهما ساعات، بل أن بعض الخلايا تحتفظ بالحياة لعدة أيام. ويقرر الأطباء أن أجهزة الحياة قد تكف عن العمل في بعض الحالات النادرة من دون أن يكون ذلك دليلا حاسما على الموت، ويطلقون على هذه الحالات أسم الموت الكاذب أو الظاهر، كما يقررون إمكان استعادة الحياة في بعض الأحيان في خلال مدة معينة من توقف الأجهزة العضوية عن العمل، وذلك عن طريق تنشيط الدورة الدموية وإنعاش القلب بحيث يمكن تدارك الشخص قبل أن يبدأ الموت في غزو الخلايا([3]).

وتقتضي حكمة التجريم بانصراف المعنى إلى موت الفرد دون موت الأنسجة والخلايا، لأن الحياة تنتهي بموت الفرد، وهي محل الحماية في الجريمة المرورية.

إن القانون يحمي حق الإنسان في الحياة سواء أكان متعلما أو جاهلا غنيا أو فقيرا وطنيا أو أجنبيا مفيدا للمجتمع أو عنصرا ضارا به، كما لا عبرة بسن المجني عليه أو مستواه الاجتماعي، بل يستوي في نظر المشرع أن يكون المجني عليه بصحة جيدة ومعافى أو أن يكون مصابا بمرض يؤدي إلى الموت حتما ([4]).

كما يستوي أن يكون المجني عليه إنسانا عاديا كامل الخلقة أو أن يكون مشوها غير طبيعي، ولو كان تشويهه ينذر بموت عاجل طالما أن تشويهه لا يخرجه من عداد الكائنات البشرية أما إذا كان ما أخرجته الأم كائنا غير متضح المعالم فهو ليس محلا للحماية القانونية ([5]).

الإصابـة:

وتتضمن الإصابة حالات (الأذى والمرض والجرح والعاهة المستديمة) والتي يمكن استنتاجها من النصوص القانونية الخاصة بالإيذاء.

الأذى:

هو كل مساس بجسم المجني عليه من شأنه إعاقة جسمه عن السير الطبيعي أو يلحق به بعض التغيرات بأحد أعضاء الجسم ([6]).

المرض:

هو كل اعتلال في الصحة يضعف من مقاومة الإنسان أو من مقدرة أعضائه على القيام بوظائفها([7]). أي أن المرض هو كل اختلال في السير الطبيعي للوظائف الحيوية التي تؤديها أعضاء الجسم المختلفة ، سواء كانت بدنية أو نفسية أو عقلية([8]).

الجـرح:

يراد بالجرح كل قطع أو تمزيق في الجسم أو في أنسجته([9]). إذن هو كل تمزيق لجزء من أنسجة الجسم. أي كل مساس بهذه الأنسجة ويؤدي إلى تمزيقها يعد جرحا .
كما يشمل لفظ - الجرح - كل قطع أو تمزيق يلحق في أي جزء من أجزاء الجسم وبصورة عامة يعدّ جرحا كل مساس مادي بجسم المجني عليه من شأنه أن يؤدي إلى تغيرات ملموسة في أنسجته([10]) .

وبناء على ذلك يعدّ الجرح متحققا سواء كانت التمزقات في أنسجة الجسم الخارجية أم الداخلية. ولذلك يتميز الجرح عن الضرب في أن الأول يترك أثرا يدل عليه ولذلك لا يتحقق الجرح إلا بإحداث التمزيق وهذا لا يكون في الضرب.

ويستوي أن يكون التمزيق سطحيا لا ينال سوى مادة الجلد، أو أن يكون عميقا ينال الأنسجة الداخلية. كما يستوي أن يكون القطع كبيرا أو ضئيلا كوخز الإبرة. وليس بشرط أن يؤدي الجرح إلى قطع أحد أعضاء الجسم بل قد يقتصر على جزء من أنسجة الجسم. ويدخل في مدلول الجرح، الرضوض والقطوع والتسلخ والكسر والتمزيق وبتر أحد أعضاء الجسم([11]).

ولا يشترط خروج الدم من جسم الإنسان إذ قد يكون انتشار الدم داخل الجسم. أي تحت الجلد (النزف الداخلي).
كما قد يكون الجرح داخليا عندما يصاب أحد أعضاء الجسم الداخلية بأذى. مثل المعدة أو الكلى أو الطحال ([12])، فتقوم الجريمة المرورية وإن لم يظهر أية أعراض خارجية تدل على الجرح.

العاهة المستديمة:

يعرف  الفقه العاهة المستديمة بأنها «فقد عضو من أعضاء الجسم أو فقد جزء منه أو فقد منفعة أو إضعافها أو فقد حاسة من الحواس أو إضعافها بصورة دائمة» ([13]).

ويقصد بها إذن فقد منفعة عضو من أعضاء الجسم فقدا كليا أو جزئيا، سواء بفصل العضو أو بتعطيل وظيفته أو مقاومته على أن يكون ذلك بصفة مستديمة أي لا يرجى شفاء منه ([14]).

ويتضح بذلك أن أهم عنصر للعاهة المستديمة هو (عدم قابليتها للشفاء). أو (استحالة برئها). ويقدر هذا العنصر بالنظر إلى القواعد العملية المقررة وقت ارتكاب الفعل. فإذا كانت العاهة وقت ارتكاب الفعل غير قابلة للشفاء ثم أصبحت ـ نتيجة لتقدم العلم ـ قابلة للشفاء وقت النظر بالدعوى لم تكن بذلك عاهة مستديمة ([15]) .

([1]) جندي عبد الملك، الموسوعة الجنائية، الجزء الخامس، الطبعة الأولى، القاهرة، 1942، ص842.
([2])) د. رمسيس بهنام، القسم الخاص في قانون العقوبات، 1958، ص137.
([3]) د. لويس سمعان، الطب العدلي التطبيقي، مطبعة الإرشاد، بغداد، 1971، ص8.
([4]) د. ماهر عبد شويش، القسم الخاص، مصدر سابق، ص158.
([5]) د. عبد المهيمن بكر سالم، الوسيط في قانون الجزاء الكويتي، القسم الخاص، مطبوعات جامعة الكويت، 1977، ص83.
([6]) د. ماهر عبد شويش، القسم الخاص، مصدر سابق، ص230. 
([7]) د. محمود محمود مصطفى، شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الطبعة السابعة، مطبعة جامعة القاهرة، 1975، ص248.
([8]) د. ماهر عبد شويش، القسم الخاص، مصدر سابق، ص230.
([9]) د. محمود محمود مصطفى، القسم الخاص، مصدر سابق، ص241.
([10]) د. حسن صادق المرصفاوي، شرح قانون العقوبات القسم الخاص، منشأة المعارف بالإسكندرية، 1975 ص211.
([11]) د. ماهر عبد شويش، القسم الخاص، مصدر سابق، ص233.
([12]) المصدر نفسه، ص234.
([13]) د. فوزية  عبد الستار، شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، دار النهضة العربية، القاهرة، 1982، ص428.
([14]) د. محمود محمود مصطفى، القسم الخاص، مصدر سابق، ص255
([15])د. محمود نجيب حسني، القسم الخاص، مصدر سابق، ص256.