ما هي النتيجة الجرمية؟.. الأثر الذي يترتب على السلوك الإجرامي



تعريف النتيجة الجرمية:

النتيجة الجرمية هي الأثر الذي يترتب على السلوك الإجرامي، الأمر الذي يتجسد بالعدوان الذي يصيب مصلحة أو حقا قدر المشرع وجوب حمايته جنائيا ([1]).

وللنتيجة أهميتها في النظرية العامة للجريمة: فالركن المادي لا تكتمل عناصره إلا بتحقق النتيجة: فإذا كانت الجريمة عمدية وتخلفت النتيجة فالمسؤولية تقتصر على الشروع؛ أما إذا كانت الجريمة غير عمدية فلا قيام لها ما لم تتحقق نتيجتها، إذ لا شروع فيها([2]).

وقد اتجه الفقه الحديث في تحديد مفهوم النتيجة اتجاهين مختلفين نتيجة اعتناق أحد النظريتين السائدتين في هذا المجال وهما النظرية المادية (الطبيعية) والتي أعطت للنتيجة مدلولا أو مفهوما ماديا، والنظرية القانونية (الشرعية) التي أعطت للنتيجة مفهوما قانونيا([3]).

 النتيجة في مفهومها المادي:

هي الأثر الطبيعي الذي يتولد عن السلوك ويحدث في العالم الخارجي تغييرا محسوسا يعتد به القانون ([4]).
وتقسم الجرائم وفقا لهذا المفهوم إلى جرائم مادية (ذات نتيجة) وجرائم شكلية (جرائم سلوك مجرد).

الجرائم المادية:

الجرائم المادية أو ما يسمى أحيانا ( الجرائم ذات النتيجة) أو (جرائم الضرر) هي الجرائم التي تحدث بطبيعتها نتيجة مادية محسوسة وضارة، كجرائم القتل والضرب والسرقة والاحتيال... الخ. وهذه الجرائم تعبر دائما عن حقيقة مادية لأن لنتيجتها وجودا ماديا محسوسا في العالم الخارجي ([5]).

الجرائم الشكلية:

الجرائم الشكلية، أو ما يعبر عنها أحيانا بـ(الجرائم غير ذات النتيجة) أو (جرائم الخطر).
وهي الجرائم التي لا يستلزم القانون لتحقق النتيجة وقوع ضرر بالفعل، بل يكتفي بمجرد الخطر، فهذا الخطر هو النتيجة في هذه الجرائم يعاقب عليه القانون لتفادي وقوع الضرر الفعلي ومثال ذلك جريمة الاتفاق الجنائي وجريمة تقليد المفاتيح، وجريمة تزوير المحررات فيعاقب عليه بغض النظر عن استعمال المحرر المزور لأن المشرع عاقب على التزوير ولو كان الضرر محتملا([6]). 

النتيجة في مفهومها القانوني:

النتيجة في مدلولها القانوني هي العدوان على مصلحة أو حق قدر المشرع جدارته بالحماية الجنائية ([7]).
وتتحقق النتيجة في مدلولها القانوني في إحدى صورتين:
- الأولى: هي الإضرار بالمصلحة أو الحق الذي يحميه المشرع سواء عن طريق تعطيله كلية أو الانتقاص منه.
- الثانية هي مجرد تعريض تلك المصلحة أو ذلك الحق للخطر. مثال ذلك جريمة تعريض الصغار دون سن الثامنة عشر للخطر(م 383عقوبات). ووفقا لهذا المدلول تكون النتيجة في جريمة القتل هي الاعتداء على الحق في الحياة وفي جريمة الضرب أو الجرح والإيذاء العدوان على الحق في سلامة الجسم ([8]).

العلاقة بين مفهومي النتيجة:

إن الصلة بين المفهومين وثيقة وقوية. إذ أن المدلول القانوني هو في الحقيقة تكييف قانوني لمدلولها المادي، وبعبارة أخرى فإن القول بوجود اعتداء على حق يحميه القانون هو تكييف للإثار المادية التي ترتبت على السلوك الإجرامي ([9]).

   وتكون غالبية الجرائم ذات نتائج ضارة، وقد يتخذ الضرر مظهرا ماديا صرفا، كما في القتل أو الضرب...الخ. وقد يتخذ مظهرا معنويا، كما في السب، ويتوقف  هذا المظهر على طبيعة القيمة المعتدى عليها، فإذا كانت القيمة مادية كان الضرر ماديا، وإذا كانت القيمة معنوية كان الضرر معنويا([10]) 
.وقد يتضمن مزيجا من النوعين المادي والمعنوي كما في القذف الذي يلحق الشخص ضررا أدبيا وهو المساس بشعوره وكرامته كما يلحق به ضررا ماديا وهو الإساءة إلى سمعته التجارية أو المهنية ([11]).
كذلك الجريمة المرورية تتضمن مزيجا من الضررين المادي والمعنوي لأن الاعتداء الواقع يمس شعور المجني وصحته كما يعرقل قدرته على العمل والإنتاج.

معايير التمييز بين النتيجة والضرر:

ويمكن أن نميز بين النتيجة والضرر بالأتي:

1- النتيجة هي الأثر المتولد عن السلوك (فعلا كان أو امتناعا) حين يتمثل هذا الأثر في تغيير محسوس للأوضاع المادية السابقة، يعتد به القانون، لأنه يهدر المصلحة القانونية أو يهددها بالخطر. أما الضرر فإنه الأثر الذي يترتب على الجريمة ذاتها([12]).
فالنتيجة في جريمة القتل هي وفاة المجني عليه، أما الضرر فيها فهو سائر الآثار المادية والمعنوية التي تصيب عائلته، كأن تبور تجارته وأن يتشرد أولاده أو تموت زوجته حزنا عليه ([13]).

2- تنشأ النتيجة حقا للمجتمع في العقاب، أما الضرر فينشأ للمضرور حقا في التعويض المالي، يتحدد - وفقا لقواعد المسؤولية المدنية - بما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب([14]).

وشروط الضرر أن يكون فعليا وحالا فحيث لا نكون أمام واقعة ضارة حصلت فعلا لا نكون بصدد ضرر وإنما مجرد خوف من ضرر ([15]).

ويضيف البعض إلى ذلك ضرورة أن يكون الضرر مباشرا، بمعنى أن يكون مرتبطا بسلوك منسوب إلى الفاعل وكان السبب الأساسي والكافي لوقوعه([16]).
وهذا يعني اشتراط توافر السببية بين سلوك الجاني والضرر، وهذا ليس شرطا في الضرر، وإنما هو عنصر من عناصر الركن المادي للجريمة، وعدم قيامه لا يؤدي إلى نفي وجود الضرر وحده وإنما ينفي الجريمة بأكملها، بسقوط أحد عناصر ركنها المادي، وعليه فإننا لا نكون أمام ضرر كوصف لنتيجة إجرامية إلا بعد قيام النتيجة وتوافر رابطة السببية بينها وبين السلوك الإجرامي، مما يؤدي إلى تحقق العدوان على المصلحة التي يحميها القانون ([17]).

([1]) د. ضاري خليل محمود، مصدر سابق ، ص67.
([2]) د. محمود نجيب حسني، علاقة السببية في قانون العقوبات، دار النهضة العربية، 1983، ص45. 
([3]) د. محمود نجيب حسني، القسم العام، مصدر سابق، ص274.
([4]) د. جلال ثروت، قانون العقوبات، مصدر سابق، ص126
([5]) د. عبود السراج، قانون العقوبات، مصدر سابق، ص166. 
([6]) د. ماهر عبد شويش، الأحكام العامة، مصدر سابق، ص194.
([7]) د. احمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات، الجزء الأول، دار النهضة العربية ، القاهرة، 1981، ص434.
([8]) د. ماهر عبد شويش، الأحكام العامة، مصدر سابق، ص193.
([9]) د. محمود نجيب حسني، علاقة السببية، مصدر سابق، ص46.
([10]) د. رؤوف عبيد، القسم العام، مصدر سابق، ص193. 
([11]) د. حميد السعدي، الأحكام العامة، مصدر سابق، ص66.
([12]) د. جلال ثروت، قانون العقوبات، نظرية القسم الخاص، الجزء الأول ،جرائم الإعتداء على الأشخاص، الدار الجامعية، القاهرة، 1985، ص88.
([13]) د. وداد عبد الرحمن، مصدر سابق، ص75.
([14]) د. جلال ثروت، نظرية القسم الخاص، مصدر سابق،  ص88.
([15]) د. رؤوف عبيد، مبادىء القسم العام في التشريع  العقابي، الطبعة الرابعة، دار الفكر العربي، 1979،  ص193.
([16]) د.أبو اليزيد علي المتيت، مصدر سابق، ص87.
([17]) د. محمود محمود مصطفى، القسم العام، مصدر سابق، ص265.