العناية بتربية الأبناء وإعطاؤها الأهمية القصوى من طرف الأبوين

إن من المؤلم أن بعض الأسر تربي أبناءها على كلمات أجنبية، وربما تترك أبناءها للخادمات تتولى التربية والتنشئة، كما أنهم يعلمون أولادهم الصلاة إذا أصبحوا في سن التمييز، امتثالا لأمر رسول الله (ص) حين قال: «مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ».[1].

فإذا بلغ الولد سن التمييز وهو غالبا سن السابعة فإن على والديه أن يعلموه الصلاة والطهارة أن يعلموه الخشوع في الصلاة، واحترام المساجد بعكس ما نراه اليوم في كثير من الأطفال عندما يأتي ليصلي وهو قد تعدى السابعة يبدأ يلتفت.. ويضحك.. ويتلاعب وهو في صلاته.

كما أنهم يعلمون أولادهم فرائض الإسلام كلها، إنهم يعلمون أبناءهم حب الله ورسوله، يربون الولد منذ الصغر على أن يكون محبا لله جل وعلا.. معظما له، كلما سمع ذكر الله- كلمة الله، كلما كبر وسبح، وكلما شعر بتعظيم هذا اللفظ الجليل، كما أنهم يربونهم على محبة رسول الله المصطفى (ص)، يعلمونهم أنه القدوة ويعلمونهم أنه الإمام، و يعلمونهم أنه الذي يأخذ بأيدي البشرية إلى الخير، فيعلمونهم محبة النبي (ص)، فكلما ذكر اسمه صلوا عليه وسلموا، كما أنهم يربون أولادهم على القرآن الكريم، فمنذ أن يصبح الولد في سن يحفظ فيه يعلمونه حفظ القرآن، وهذه  سيرة السلف الصالح، حيث كانوا يربون أولادهم من الصغر على أن يحفظوا كتاب الله الكريم، وإذا أنت اطلعت على تراجم العلماء تجد كثيرا منهم قد حفظ القرآن وهو دون العاشرة من عمره وذلك والله فضل عظيم يؤتيه الله من يشاء.

كما أنهم يعلمونهم احترام القرآن واحترام أهل القرآن ، وكم من طفل عندما يرى القرآن الكريم لا يفرق بينه وبين أي كتاب!

إن القرآن ليس كغيره من الكتب، إنه كلام رب العالمين إنه المنهج الخالد إنه دستور الأمة، إنه يجب أن تضعه هذه الأمة في قلوبها، وإني أقول إن الأمة لن تنجح ولن تفلح إلا إذا رجعت إلى القرآن فاستلهمت منه رشدها واستبانت منه طريقها، وما ضلت الأمم السابقة- كما جاء في الحديث - إلا لما تركوا كتبهم التي أنزلت على أنبيائهم وانصرفوا إلى كتب علمائهم، فالقرآن هو كل الخير، فلذلك يجب أن نربي أبناءنا على حفظه، وعلى احترامه، وعلى تعظيمه، كما أنهم أيضا يربون أولادهم على احترام كتب العلم.

كم من إنسان لا يقشعر جلده حين يرى أولاده يتلاعبون بالكتب ويرمونها وربما يطئونها.
إن الكتب التي فيها ذكر الله تعالى وذكر رسوله (ص) وفيها العلم من الحلال والحرام إنها يجب أن تحترم وترفع وتقدر لأنها كتب الإسلام .

كما أنهم يعلمون أولادهم حديث رسول الله (ص) فيقومون بتحفيظ أولادهم ما يتيسر من الحديث على ما يناسب السن والذكاء والقدرات، وربما يوجد طفل يتميز بذكاء خارق فبإمكانه أن يحفظ الأحاديث النبوية بسهولة، وربما آخر أكبر منه سنا لا يستطيع ذلك، فهم يراعون قدرات الأولاد ويعلمونهم ما يمكن لهم أن يفهمونه ويحفظوه.

ولقد كان علماؤنا يعتنون بتعليم الأطفال الحديث، وسيرة الرسول (ص) وشمائله العطرة، وهكذا ينبغي أن نكون، كما قال الإمام مالك: لن يصلح حال هذه الأمة إلا بما صلح عليه أولها.

إن العلماء قد ألفوا كتبا تشتمل على أمهات قواعد الإسلام كـ(الأربعين النووية) مثلا، وما أرادوا أن تكون هذه الكتب للفطاحل إنما أرادوا أن تكون للصغار المبتدئين، فعلينا أن نعلمها أولادنا وأن نفقههم فيها وكذلك السيرة النبوية، إنه مما يزري بالمسلم أن يكون هو وأبناءه لا يعرفون سيرة النبي (ص) ولا يعرفون غزواته! إنه بلاء.

فيا أيها المسلمون علموا أولادكم أحاديث رسول الله، وسيرته، وهناك - والحمد الله من الكتيبات ما يناسب ذلك، هناك كتب ألفت للأطفال خصيصا تعلمهم سيرة النبي (ص) وسيرة خلفائه الراشدين، وأولئك القوم هم الذين يقتدى بهم، هم الهداة المهتدون الذين من اقتدى بهم وسار على نهجهم، فلن يضل أبدا.

وإن مما يدمى له قلب المؤمن أن ترى بعض الأطفال يعرفون بعض الأسماء التي اشتهرت إما في عالم الكرة، أو الغناء والفن، أو الملاكمة والمصارعة، أو في غير ذلك، وإذا سألته عن أبي بكر وعمر لم يعرف مَن هما!!

إننا نحتاج لجيل مؤمن، وإن البيت المسلم نريد منه أن يكون مدرسة يتخرج منها أحفاد عمر، وأحفاد أبي عبيدة، وأحفاد صلاح الدين، نريد جيلا مؤمنا يكون تحرير الأقصى على يديه.

كما أن البيت المسلم يجب أن يعتني بتربية أبنائه تربية جهادية، تربية الأبناء التربية الجهادية من الأمور التي نحتاجها في هذا العصر، بمعنى أننا يجب ألا نربي أبناءنا على الترف والدعة، وعلى حب اللذة والمتعة، بل على العكس، نعلمهم على الشدة والقوة، والتضحية والفداء، نعلمهم على أن هذا الدين الذي أكرمنا الله به هو رأس مالنا وكل شيء في حياتنا، وأنه يستحقُّ أن نفديه بأرواحنا، وأن نضحي بالغالي والنفيس من أجله.

كما أن البيت المسلم يعتني بتعليم أولاده الآداب الإسلامية فيعلمهم ما أمر الله به ورسوله من الآداب. 
إن الله جل وعلا أمر المسلمين بآداب كالصدق والأمانة، والعفاف والإخلاص، وكلها نحتاج أن نربي أبناءنا عليها، وأن نحذرهم من الكذب والغش والخيانة، ونحو ذلك.

وقد أدب النبي (ص) أبناء المسلمين الكثير من الآداب، فعن عُمَرَ بْنِ أَبِى سَلَمَةَ  قال: كُنْتُ غُلاَمًا فِى حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ (ص) وَكَانَتْ يَدِى تَطِيشُ فِى الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ (ص) «يَا غُلاَمُ سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ». فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِى بَعْدُ.[2].

إننا نحتاج أن نعلم أبناءنا أن يذكروا اسم الله على كل شيء، إذا سقط الولد على الأرض يذكر اسم الله، وإذا أكل يحمد الله، وإذا شرب يحمد الله، وإذا عطس يحمد الله، وإذا نام، كل ذلك مما يغرس في قلبه الإيمان فتثمر بإذن الله  تبارك وتعالى وبتوفيقه أفضل النتائج.

كذلك فإنهم يعلمون أولادهم سيرة السلف الصالح وكلٌ حسب سنِّه وعقله، وكذلك البنات يعلمن سير أمهات المؤمنين، وكذلك يعلمن سير النساء الصالحات ليقتدين بهن، ويعلم الذكور أن السلف الصالح هم القدوة والأسوة، ولا يقتدي بالمغنين والمغنيات، أو الممثلين وبالممثلات، أو بعارضات الأزياء وصاحبات الموضة! لا.

إن القدوة بالنسبة للرجل المسلم هو سلفه الصالح، والقدوة بالنسبة للمرأة المسلمة، هن أمهات المؤمنين والنساء الصالحات من سلف هذه الأمة اللاتي ضربن المثل الأعلى في تطبيق دين الله وطاعة رسوله (ص).

كما أنهم يربون أولادهم على البعد عن القبائح والرذائل، والفواحش والأخلاق المرذولة، والكلمات النابية، فألسنتهن طاهرة، ونفوسهن زكية وإذا تربى الأبناء على ذلك فإنهم بإذن الله تعالى وبتوفيقه سيسيرون على هذا الطريق، ولن ينحرفوا عنه بمشيئة الله تعالى.

[1]- سنن أبى داود (495) صحيح.
[2]- صحيح البخاري (5376).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال