قصيدة مترجمة عن الشيطان.. لحوم البحر معروضة في سوق الطبيعة



لكأنما والله تمدد على سيف البحر في الإسكندرية شيطان مارد من شياطين ما بين الرجل والمرأة، يخدع الناس عن جهنم بتبريد معانيها، وقد امتلأ به الزمان والمكان؛ فهو يُرعش ذلك الرمل بذلك الهواء رعشة أعصاب حية؛ ويرسل في الجو نفخات من جرأة الخمر في شاربها ثار فعربد، ويُطلع الشمس للأعين في منظر حسناء عريانة ألقت ثيابها وحياءها معًا، ويرخي الليل ليغطي به المخازي التي خجل النهار أن تكون فيه.

ولعمري إن لم يكن هو هذا المارد، ما أحسبه إلا الشيطان الخبيث الذي ابتدع فكرة عرض الآثام مكشوفة في أجسامها تحت عين التقي والفاجر؛ لتعمل عملها في الطباع والأخلاق؛ فسول للنساء والرجال أن ذلك الشاطئ علاج الملل من الحر والتعب، حتى إذا اجتمعوا، فتقاربوا، فتشابكوا، سول لهم الأخرى أن الشاطئ هو كذلك علاج الملل من الفضيلة والدين!
وإن لم يكن اللعينان فهو الرجيم الثالث، ذلك الذي تألى أن يفسد الآداب الإنسانية كلها بفساد خُلُق واحد، هو حياء المرأة؛ فبدأ يكشفها للرجال من وجهها، ولكنه استمر يكشف... وكانت تظنه نزع حجابها فإذا هو أول عُرْيها... وزادت المرأة، ولكن بما زاد فجور الرجال؛ ونقصت، ولكن بما نقص فضائلهم؛ وتغيرت الدنيا وفسدت الطباع؛ فإذا تلك المرأة ممن يقرونها على تبذلها بين رجلين لا ثالث لهما: رجل فجر ورجل تخنث.

هناك فكرة من شريعة الطبيعة هي عقل البحر في هؤلاء الناس، وعقل هؤلاء الناس في البحر؛ إذا أنت اعترضتَها فتبينتها فتعقبتها، رأيتها بلاغة من بلاغة قصيدة مترجمة عن الشيطان: لحوم البحر

الشيطان في تزيينه وتطويعه، وأصبت فكره مستقرًّا فيها استقرار المعنى في عبارته، آخذًا بمداخلها ومخارجها. وما كان الشيطان عَيِيًّا ولا غبيًّا، بل هو أذكى شعراء الكون في خياله، وأبلغهم في فطنته، وأدقهم في منطقه، وأقدرهم على الفتنة والسحر؛ وبتمامه في هذا كله كان شيطانًا لم تسعه الجنة إذ ليس فيها النار، ولم تُرضه الرحمة إذ ليس معها الغضب، ولم يعجبه الخضوع الملائكي إذ ليس فيه الكبرياء، ولم يخلص إلى الحقيقة إذ لا تحمل الحقيقة شعر أحلامه.

وما أتى الشيطان أحدًا، ولا وسوس في قلب، ولا سوَّل لنفس، ولا أغوى من يغويه, إلا بأسلوب شعري ملتبس دقيق، يجعل المرء يعتقد أن اطِّراح العقل ساعة هو عقل الساعة، ويفسد برهانه مهما كان قويًّا؛ إذ يرتد به من النفس إلى أخيلة لا تقبل البرهانات، ويقطع حجته مهما كانت دامغة؛ إذ يعترضها بنزعة من النزعات توجهها كيف دار بها الدم, لا كيف دار بها المنطق.

فكرة من شريعة الطبيعة، ظاهرها لبعض الأمر من الشمس والهواء والبحر وما لا أدري، وباطنها لبعض الأمر من فن الشيطان وبلاغته وشعره وما لا أدري؛ وما كانت الشرائع الإلهية والوضعية إلا لإقرار العقل في شريعة الطبيعة كي تكون إنسانية لإنسانها كما هي الحيوانية لحيوانها، وليجد الإنسان ما يحفظ به نفسه من نفسه التي هي دائمًا فوضى، ولا غاية لها لولا ذلك العقل إلا أن تكون دائمًا فوضى.

وبالشرائع والآداب استطاع الإنسان أن يضع لكلمة الطبيعة النافذة عليه جوابًا, وأن يرى في هذه الطبيعة أثر جوابه؛ فكلمتها هي: أيها الإنسان، أنت خاضع لي بالحيواني فيك, وكلمته هي: أيتها الطبيعة, وأنت لي خاضعة بالإلهي فيَّ.

والآن سأقرأ لك القصيدة الفنية التي نظمها الشيطان على رمل الشاطئ في الإسكندرية؛ وقد نقلتها أترجمها فصلًا بعد فصل عن تلك الأجسام عارية وكاسية، وعن معانيها مكشوفة ومغطاة، وعن طباعها بريئة ومتهمة، حتى اتسقت الترجمة على ما ترى:
قال الشيطان:
ألا إن البهيمة والعقلية في هذا الإنسان, مجموعهما شيطانية.
ألا وإنه ما من شيء جميل أو عظيم إلا وفيه معنى السخرية به.
هنا تتعرى المرأة من ثوبها، فتتعرى من فضيلتها.
هنا يخلع الرجل ثوبه، ثم يعود إليه فيلبس فيه الأدب الذي خلعه.
رؤية الرجل لحم المرأة المحرمة نظر بالعين والعاطفة.
يرمي ببصره الجائع كما ينظر الصقر إلى لحم الصيد.
ونظر المرأة لحم الرجل رؤية فكر فقط.
تُحوِّل بصرها أو تخفضه، وهي من قلبها تنظر.
يا لحوم البحر! سلخك من ثيابك جزار!
يا لحوم البحر! سلخك جزار من ثيابك.
جزار لا يذبح بألم ولكن بلذة.
ولا يَحِزّ بالسكين ولكن بالعاطفة.
ولا يُميت الحي إلا موتًا أدبيًّا.
إلى الهيجاء يا أبطال معركة الرجال والنساء.
فهنا تلتحم نواميس الطبيعة, ونواميس الأخلاق.
للطبيعة أسلحة العُرْي، والمخالطة، والنظر، والأنس، والتضاحك، ونزوع المعنى إلى المعنى.
وللأخلاق المهزومة سلاح من الدين قد صَدِئ؛ وسلاح من الحياء مكسور!
يا لحوم البحر! سلخك من ثيابك جزار.
الشاطئ كبير كبير، يسع الآلاف والآلاف.
ولكنه للرجل والمرأة صغير صغير، حتى لا يكون إلا خلوة.
وتقضي الفتاة سنتها تتعلم، ثم تأتي هنا تتذكر جهلها وتعرف ما هو.
وتمضي المرأة عامها كريمة، ثم تجيء لتجد هنا مادة اللؤم الطبيعي.
لو كانت حجّاجة صوّامة، للعنتها الكعبة لوجودها في "إستانلي".
الفتاة ترى في الرجال العريانين أشباح أحلامها، وهذا معنى من السقوط.
والمرأة تسارقهم النظر تنويعًا لرجلها الواحد، وهذا معنى من المواخير.
أين تكون النية الصالحة لفتاة أو امرأة بين رجال عريانين؟!
يا لحوم البحر! سلخك من ثيابك جزار!
هناك التربية، وهنا إعلان الإغفال والطيش.
وهناك الدين، وهنا أسباب الإغراء والزلل.
هناك تكلف الأخلاق، وهنا طبيعة الحرية منها.
وهناك العزيمة بالقهر يومًا بعد يوم، وهنا إفسادها بالترخص يومًا بعد يوم.
والبحر يعلّم اللائي والذين يسبحون فيه كيف يغرقون في البر.
لو درى هؤلاء وهؤلاء معرّة اغتسالهم معًا في البحر، لاغتسلوا من البحر.
فقطرة الماء التي نجّستها الشهوات قد انسكبت في دمائهم.
وذرة الرمل النجسة في الشاطئ، ستكبر حتى تصير بيتًا نجسًا لأب وأم.
يا لحوم البحر! سلخك من ثيابك جزار!
يجيئون للشمس التي تقوى بها صفات الجسم؛
ليجد كل من الجنسين شمسه التي تضعف بها صفات القلب.
يجيئون للهواء الذي تتجدد به عناصر الدم؛
ليجدوا الهواء الآخر الذي تفسد به معاني الدم.
يجيئون للبحر الذي يأخذون منه القوة والعافية؛
ليأخذوا عنه أيضًا شريعته الطبيعية: سمكة تطارد سمكة.
ويقولون: ليس على المصيف حرج،
أي: لأنه أعمى الأدب، وليس على الأعمى حرج.
يا لحوم البحر! سلخك من ثيابك جزار!
المدارس، والمساجد، والبِيَع، والكنائس، ووزارة الداخلية؛
هذه كلها لن تهزم الشاطئ.
فأمواج النفس البشرية كأمواج البحر الصاخب، تنهزم أبدًا لترجع أبدًا.
لا يهزم الشاطئ إلا ذلك "الجامع الأزهر"، لو لم يكن قد مُسخ مدرسة!
فصرخة واحدة من قلب الأزهر القديم، تجعل هدير البحر كأنه تسبيح.
وترد الأمواج نقية بيضاء1، كأنها عمائم العلماء.
ـــــــــــــــــــــــــ

1 يرى بعضهم أن مثل هذا الوصف خطأ، وأن الصواب أن يقال "بيض"، ولسنا من هذا الرأي، وقد غلط فيه المبرد ومن تابعوه؛ لغفلتهم عن السير في بلاغة الاستعمال مرة في الوصف بالمفرد، ومرة في الوصف بالجمع.

قصيدة مترجمة عن الشيطان: لحوم البحر
وتأتي إلى البحر بأعمدة الأزهر للفصل بين الرجال والنساء.
ولكني أرى زمنًا قد نقل حتى إلى المدارس روح "الكازينو"!
يا لحوم البحر! سلخك من ثيابك جزار!
"هنا على رغم الآداب، مملكة للصيف والقَيْظ، سلطانها الجسم المؤنث العاري.
أجسام تعرض مفاتنها عرض البضائع؛ فالشاطئ حانوت للزواج!
وأجسام تعرض أوضاعها كأنها في غرفة نومها في الشاطئ.
وأجسام جالسة لغيرها، تحيط بها معانيها ملتمسة معانيه؛ فالشاطئ سوق للرقيق.
وأجسام خَفِرة جالسة للشمس والهواء؛ فالشاطئ كدار الكفر لمن أُكره1.
وأجسام عليلة تقتحمها الأعين فتزدريها؛ لأنها جعلت الشاطئ مستشفى.
وأجسام خليعة أضافت من "إستانلي" وأخواتها إلى منارة الإسكندرية ومكتبة الإسكندرية, مزبلة الإسكندرية.
كان جدال المسلمين في السفور، فأصبح الآن في العري.
فإذا تطور، فماذا بقي من تقليد أوروبا إلا الجدال في شرعية جمع المرأة بين الزوج وشبه الزوج2؟".
انتهى ما استطعت ترجمته، بعد الرجوع في مواضع من القصيدة إلى بعض القواميس الحية... إلى بعض شبان الشاطئ.
ـــــــــــــــــ

1 إشارة إلى الآية الكريمة: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ}.
2 يسمى هذا في اللغة الضمد بفتح الضاد والميم، وهو أن يخاتل الرجل المرأة ولها زوج، ومنه قول الشاعر:
تريدين كيما تضمديني وخالدًاوهل يجمع السيفان ويحك في غمد
ومن هذا يقال في الرجل: ذاق الضماد "بكسر الضاد" أي: ذاق الطعم الذي وصفه أناتول فرانس.
قصيدة مترجمة عن الملك: احذري...!
قصيدة مترجمة عن الملَك: احذري...!
ترجمنا عن الشيطان قصيدة "لحوم البحر" وهذه ترجمة عن أحد الملائكة, رآني جالسًا تحت الليل وقد أجمعت أن أضع كلمة للمرأة الشرقية فيما تحاذره أو تتوجس منه الشر؛ فتَخَايل الملك بأضوائه في الضوء, وسنح لي بروحه، وبث فيّ من سره الإلهي، فجعلتُ أنظر في قلبي إلى فجر من هذا الشعر ينبُع كلمة كلمة, ويُشرق معنى معنى، ويستطير جملة جملة، حتى اجتمعت القصيدة وكأنما سافرتُ في حلم من الأحلام فجئتُ بها.
وانطلق ذلك الملَك وتركها في يدي لغة من طهارته للمرأة الشرقية في ملائكيتها:
احذري...!
احذري أيتها الشرقية وبالغي في الحذر، واجعلي أخص طباعك الحذر وحده.
احذري تمدن أوروبا أن يجعل فضيلتك ثوبًا يوسع ويضيق؛ فلُبس الفضيلة على ذلك هو لبسها وخلعها.
احذري فنهم الاجتماعي الخبيث الذي يفرض على النساء في مجالس الرجال أن تؤدي أجسامهن ضريبة الفن.
احذري تلك الأنوثة الاجتماعية الظريفة؛ إنها انتهاء المرأة بغاية الظَّرف والرقة إلى... إلى الفضيحة.
احذري تلك النسائية1 الغزلية؛ إنها في جملتها ترخيص اجتماعي للحرة أن... أن تشارك البَغِيّ في نصف عملها.
ــــــــــــــــــــــــــ

1 نحن نستعمل: النسائية والنسوية، وكلاهما عندنا صحيح، والاختيار في كل موضع للأفصح في موقعه.
قصيدة مترجمة عن الملك: احذري...!
أيتها الشرقية! احذري احذري!
احذري التمدن الذي اخترع لقتل لقب الزوجة المقدس, لقب "المرأة الثانية".
واخترع لقتل لقب العذراء المقدس، لقب "نصف عذراء".
واخترع لقتل دينية معاني المرأة، كلمة "الأدب المكشوف".
وانتهى إلى اختراع السرعة في الحب, فاكتفى الرجل بزوجة ساعة.
وإلى اختراع استقلال المرأة، فجاء بالذي اسمه "الأب" من الشارع، لتلقي بالذي اسمه "الابن" إلى الشارع.
أيتها الشرقية؛ احذري احذري!
احذري, وأنتِ النجم الذي أضاء منذ النبوة، أن تقلدي هذه الشمعة التي أضاءت منذ قليل.
إن المرأة الشرقية هي استمرار متصل لآداب دينها الإنساني العظيم.
هي دائمًا شديدة الحفاظ, حارسة لحَوْزتها؛ فإن قانون حياتها دائمًا هو قانون الأمومة المقدس.
هي الطهر والعفة، هي الوفاء والأنفة، هي الصبر والعزيمة، وهي كل فضائل الأم.
فما هو طريقها الجديد في الحياة الفاضلة، إلا طريقها القديم بعينه.
أيتها الشرقية! احذري احذري!
احذري "ويحك" تقليد الأوروبية التي تعيش في دنيا أعصابها, محكومة بقانون أحلامها.
لم تعد أنوثتها حالة طبيعية نفسية فقط، بل حالة عقلية أيضًا تشك وتجادل.
أنوثة تفلسفت فرأت الزوج نصف الكلمة فقط, والأم نصف المرأة فقط.
ويا ويل المرأة حين تنفجر أنوثتها بالمبالغة، فتنفجر بالدواهي على الفضيلة.
إنها بذلك حرة مساوية للرجل، ولكنها بذلك ليست الأنثى المحدودة بفضيلتها.
أيتها الشرقية! احذري احذري!
احذري خجل الأوروبية المترجِّلة من الإقرار بأنوثتها.
إن خجل الأنثى يجعل فضيلتها تخجل منها.
إنه يسقط حياءها ويكسو معانيها رجولة غير طبيعية.
إن هذه الأنثى المترجلة تنظر إلى الرجل نظرة رجل إلى أنثى.
والمرأة تعلو بالزواج درجة إنسانية، ولكن هذه المكذوبة تنحط درجة إنسانية بالزواج.
أيتها الشرقية! احذري احذري!
احذري تَهَوُّس الأوروبية في طلب المساواة بالرجل.
لقد ساوتْه في الذهاب إلى الحلَّاق، ولكن الحلَّاق لم يجد في وجهها اللحية.
إنها خُلقت لتحبيب الدنيا إلى الرجل، فكانت بمساواتها مادة تبغيض.
العجيب أن سر الحياة يأبى أبدًا أن تتساوى المرأة بالرجل إلا إذا خسرته.
والأعجب أنها حين تخضع، يرفعها هذا السر ذاته عن المساواة بالرجل إلى السيادة عليه.
أيتها الشرقية! احذري احذري!
احذري أن تخسري الطباع التي هي الأليق بأم أنجبت الأنبياء في الشرق.
أم عليها طابع النفس الجميلة، تنشر في كل موضع جو نفسها العالية.
فلو صارت الحياة غيمًا ورعدًا وبرقًا، لكانت هي فيها الشمس الطالعة.
ولو صارت الحياة قَيْظًا وحَرُورًا واختناقًا، لكانت هي فيها النسيم يتخطَّر.
أم لا تبالي إلا أخلاق البطولة وعزائمها؛ لأن جداتها ولدن الأبطال.
أيتها الشرقية! احذري احذري!
احذري هؤلاء الشبان المتمدنين بأكثر من التمدن.
يبالغ الخبيث في زينته، وما يدري أن زينته معلنة أنه إنسان من الظاهر.
ويبالغ في عرض رجولته على الفتيات، يحاول إيقاظ المرأة الراقدة في العذراء المسكينة!
ليس لامرأة فاضلة إلا رجلها الواحد؛ فالرجال جميعًا مصائبها إلا واحدًا.
وإذ هي خالطت الرجال، فالطبيعي أنها تخالط شهوات، ويجب أن تحذر وتبالغ.
أيتها الشرقية! احذري احذري!
احذري؛ فإن في كل امرأة طبائع شريفة متهورة؛ وفي الرجال طبائع خسيسة متهورة.
وحقيقة الحجاب أنه الفصل بين الشرف فيه الميل إلى النزول، وبين الخسة فيها الميل إلى الصعود.
فيكِ طبائع الحب، والحنان، والإيثار، والإخلاص، كلما كبرتِ كبرتْ.
طبائع خطرة، إن عملتْ في غير موضعها؛ جاءت بعكس ما تعمله في موضعها.
فيها كل الشرف ما لم تنخدع، فإذا انخدعت فليس فيها إلا كل العار.
أيتها الشرقية! احذري احذري!
احذري كلمة شيطانية تسمعينها: هي فنية الجمال أو فنية الأنوثة.
وافهميها أنت هكذا: واجبات الأنوثة وواجبات الجمال.
بكلمة يكون الإحساس فاسدًا، وبكلمة يكون شريفًا.
ولا يتسقّط الرجل امرأة إلا في كلمات مزينة مثلها.
يجب أن تتسلح المرأة مع نظرتها، بنظرة غضب ونظرة احتقار.
أيتها الشرقية! احذري احذري!
احذري أن تُخدَعي عن نفسك؛ إن المرأة أشد افتقارًا إلى الشرف منها إلى الحياة.
إن الكلمة الخادعة إذ تقال لك، هي أخت الكلمة التي تقال ساعة إنفاذ الحكم للمحكوم عليه بالشنق.
يغترّونكِ بكلمات الحب والزواج والمال، كما يقال للصاعد إلى الشنَّاقة1: ماذا تشتهي؟ ماذا تريد؟
الحب؟ الزواج؟ المال؟ هذه صلاة الثعلب حين يتظاهر بالتقوى أمام الدجاجة.
الحب؟ الزواج؟ المال؟ يا لحم الدجاجة! بعض كلمات الثعلب هي أنياب الثعلب.
أيتها الشرقية! احذري احذري.
ـــــــــــــــــــــــــــــ

1 كلمة "المشنقة" ليست عربية، ولكنّ لها وجهًا في الاشتقاق، غير أن كسرة ميمها تجعلها ثقيلة، وكان اسمها قديمًا "الشناقة"، ذكرها ياقوت في معجم الأدباء، وهي أفصح وأخف، فلعل الشناقة بعد هذا تشنق المشنقة.
قصيدة مترجمة عن الملك: احذري...!
احذري السقوط؛ إن سقوط المرأة لهوله وشدته ثلاث مصائب في مصيبة: سقوطها هي, وسقوط من أوجدوها، وسقوط من تُوجدهم! نوائب الأسرة كلها قد يسترها البيت، إلا عار المرأة.
فيد العار تقلب الحيطان كما تقلب اليد الثوب, فتجعل ما لا يُرى هو ما يُرى.
والعار حكم ينفذه المجتمع كله، فهو نفي من الاحترام الإنساني.
أيتها الشرقية! احذري احذري!
"لو كان العار في بئر عميقة لقلبها الشيطان مئذنة, ووقف يؤذن عليها.
يفرح اللعين بفضيحة المرأة خاصة، كما يفرح أب غني بمولود جديد في بيته.
واللص، والقاتل، والسكير، والفاسق، كل هؤلاء على ظاهر الإنسانية كالحر والبرد.
أما المرأة حين تسقط, فهذه من تحت الإنسانية هي الزلزلة.
ليس أفظع من الزلزلة المرتجة تشق الأرض، إلا عار المرأة حين يشق الأسرة.
أيتها الشرقية! احذري احذري!".
مصطفى صادق الرافعي


المواضيع الأكثر قراءة