عودة روسيا إلى المسرح الدولي.. تفكيك روسيا عن طريق تنشيط أو تشجيع النزعة الاستقلالية في القوقاز وتواجد الولايات المتحدة العسكري في آسيا الوسطى



إن الولايات المتحدة في طريقها للإخفاق في محاولاتها الإجهاز على روسيا، وستصبح أكثر عزلة حتى لو بقيت مستمرة بالعمل، على أساس، أن لا يحسب لخصمها الاستراتيجي القديم حساب بعد اليوم، سواء بالإذلال أو بصورة المعاملة التي تلزم المشرف على الموت أو المحتضر، وقد يجمع الموقفين. لقد زار جورج بوش الابن أوربا، في نهاية أيار عام (2002)، متحدثاً عن تعاون مع روسيا، في حين، كان بعض جنوده يتمركزون في القوقاز، وفي جورجيا، في الوقت نفسه، وقد سُرَّت واشنطن من الإعلان أن منظمة حلف شمالي الأطلسي، ربما تتوسع، وربما يبدأ العمل بمشروع درع الفضاء، أو حرب النجوم، الذي أعدته الولايات المتحدة، منذ حقبة ريغان، ودون المشورة مع موسكو، وكأنه لا وجود لروسيا، وهذا تغاضٍ عن الحقيقة، فدون مساعدتها الفعالة، فإن جيش الولايات المتحدة، لن يكون قادراً على تثبيت موضع أقدامه في أفغانستان أو حتى في البلقان... لكن مسرحية العسكرة الصغيرة (MICROMILITARISME) تتطلب وضعاً شبيهاً بالإمبراطورية، بالنسبة لحالة العنف، إذ تركز الولايات المتحدة اعتمادها على روسيا.
ولاستراتيجية الولايات المتحدة هدفان في مواجهة المسألة الروسية، فليس الأول سهل البلوغ ويبدو الثاني أكثر صعوبة.
فالهدف الأساس هو تفتيت، أو تفكيك روسيا الذي يمكن أن يجري بسرعة، عن طريق تنشيط أو تشجيع النزعة الاستقلالية في القوقاز، وتواجد الولايات المتحدة العسكري في آسيا الوسطى، وتشجيع مظاهر القوة. وتحد هذه الاتجاهات المحلية، التي تنبع من الداخل الروسي عرقياً، من التقارب من الاتحاد الروسي، ومن التلاحم الوطني الروسي أيضاً، دون المستوى اللازم. أما الهدف الثاني، فهو المحافظة على شيء من مستوى التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا، مما يحد من التقارب بين أوربا وروسيا ـ كإعادة توحيد الجزء الغربي من أوراسيا ـ على سبيل المثال. وذلك بالحفاظ على ثمار التنازع الموروث عن الحرب الباردة أطول مدة ممكنة. وانتهت تراكمات الفوضى والشكوك للولايات المتحدة الخرقاء في الشرق الأوسط، إلى العكس لتخلق الشروط الأفضل من أجل إدماج روسيا في اللعبة الدولية من جديد، وبالوضع الذي استغله فلاديمير بوتين على الفور. فقد قدم ذلك للغرب، النهاية الحقيقية للحرب الباردة، في خطابات مؤثرة. في ألمانيا بصورة رئيسة، في البوندستاغ، بتاريخ (25) أيلول عام (2001)، لكن إلى متى سيدوم هذا كالمساعدة التي قدمت للولايات المتحدة، في العمليات العسكرية الصغيرة أو المتوسطة، كما في أفغانستان، أو عدم التسبب في إزعاج واشنطن في العراق، أو... على المدى القصير. إذ ليس هذا التصور الاستراتيجي الخادع بالنسبة لروسيا، إلا تظاهر للفوضى. فقد سمح هذا التقارب الأوربي القوة الأولى صناعياً على الأرض. في إجراء تدفقات الواردات والصادرات، مما سمح بتحديد الرهانات الحقيقية في لعبة القوى الثلاث، بين روسيا والولايات المتحدة، وأوربا.
فقد تبادلت روسيا والولايات المتحدة عام (2001) ما قيمته (10) مليارات دولار، من السلع والبضائع. أما التبادل الروسي ـ الأوربي، فقد بلغ (75) مليار دولار، أي أكبر بـ (7.5) مرة. ويمكن لروسيا أن تتجاوز الولايات المتحدة، وليس أوربا. فروسيا تقترح ضمنياً على أوربا أن تكون قوة موازنة لنفوذ الولايات المتحدة، على المستوى العسكري، وكذلك في أن تزود أوربا بالطاقة، والسوق، بشكل مغرٍ.
وأياً كان فكر كتاب برززنسكي، فهو استعارة أو مجاز من رقعة الشطرنج، في عنوان الكتاب، ويعني بذلك، كتقديم للإخفاق أو الفشل الشيوعي. فلا يجوز، مع ذلك التعامل مع روسيا بلعبة الشطرنج التي هي اللعبة الذهنية والقومية في روسيا. وهم مدربون، من الناحية الفكرية، بأن لا يرتكبوا أخطاء ينتظرها العدو منهم، مع التزامن بالتحرك بحماقة، أمام التحريضات أو الإثارات دون ماهيات استراتيجية، حقيقية، في جورجيا أو في أوزباكستان. لا للتبادل ولا الاستيلاء ولا المجابهة المحلية، المقترحة أو مقدمة من تلك الخصوم. هذه هي لعبة الشطرنج، خصوصاً عندما نصبح في حالة الضعف. ربما يتم التصدي، في يوم ما، كما يتطلب الوجيز الدبلوماسي، حيث ستكون الصياغة النظرية، شيئاً ما من هذا الطراز، فكيف يتم تبادل الأدوار والتحالفات في ظرف هبوط أو سقوط القوة؟
ولا يجوز المبالغة، فيما يتعلق بأهمية حسابات وخيارات الشعور، أو إحساسات الحكومة. فالتوازن العالمي، لا يعتمد، تماماً أو أساساً، على بوش الابن، وفريق عمله، ولا على مهارة ذكاء أو مهارة سياسة بوتين. فالعامل القوي، هو دينامية المجتمع الروسي التي هي الأساس. وروسيا في طريقها إلى بروز مرن من الفوضى، بوجه الاحتمال، فوضى مرتبطة بالخروج من الشيوعية، لتصبح روسيا من جديد، فاعلاً راسخاً مرناً في توازن القوى. ومع هذا لا يكون الوضع، مع ذلك، مثالياً.