ليس الشأن في العلم ولا في التعليم ولكنما الشأن في الموهبة التي تبدع الابتكار



ضاق "نابغة القرن العشرين" بحمق المجنون الآخر؛ ورآه داهية دواه، كلما تعاقل أو تحاذق لم يأت له ذلك إلا بأن يكشف عن جنونه هو؛ فلا يبرح يجرعه الغيظ مرة بعد مرة، ولا يزال كأنه يسبه في عقله، فأراد أن يحتال لصرفه عن المجلس، فدفع إليه الرسالة التي جاء بها "البريد المستعجل" وقال له: خذ هذه فاذهب فألقها في دار البريد، فسيجيء بها الساعي مرة أخرى، ثم تذهب الثانية فتلقيها، ويعود فيجيء بها، وتكون أنت تذهب ويكون هو يجيء، فنضحك منه ويضحكون.
قال س. ع: ولكن كم يذهب هذا وكم يجيء ذاك؟
فغمزه "النابغة" بعينه أن اسكت؛ فتغافل س. ع، وقال: كم تريد أن يجيء الساعي ليهتف بنابغة القرن العشرين؟
قال المجنون الآخر: هذا هو الرأي، فلست قائما حتى أعرف كم مرة أذهب؛ فإن الساعي لا يجيء إلا راكبا، وأنا لا أذهب إلا راجلا، وإن لي رجلي إنسان لا رجلي دابة...
قال "النابغة": سبحان الله؟ بقليل من الجنون يخرج من الإنسان مجنون كامل مستلب العقل. بيد أنه لا يأتي النابغة إلا من كثير وكثير، ومن النبوغ كله بجميع وسائله وأسبابه على تعددها وتفرقها وصعوبة اجتماعها لإنسان واحد "كنابغة القرن العشرين"، فهو الذي توافت إليه كل هذه الأسباب، وتوازنت فيه كل تلك الخلال. إنه ليس الشأن في العلم ولا في التعليم؛ ولكنما الشأن في الموهبة التي تبدع الابتكار، كموهبة "نابغة القرن العشرين"، فبها تجيء أعماله منسجمة دالة بنفسها على نفسها؛ ومتميزة مع كونها منسجمة دالة بنفسها على نفسها، متلائمة مع كونها متميزة دالة بنفسها على نفسها...
هذا س. ع، كان الأول بين خريجي مدرسة دار العلوم، مدرسة الأدب والعربية، والمنطق والتحذلق، وبلاغة اللسان وصحة النظر؛ وهو يعرف أن الكتاب يلقى في البريد وعليه طابع واحد، فيصل إلى غايته بهذا الطابع، ثم يرى بعيني رأسه أربعة طوابع على هذه الرسالة المعنونة باسم "نابغة القرن العشرين"، فلا يدرك بعقله أن معنى ذلك أن من حق هذه الرسالة أن تصل إلي أنا أربع مرات.
فطرب المجنون الآخر، واهتز في مجلسه، وصفق بيديه، وقال: "مما حفظناه" هذا الحديث: "يحاسب الله الناس على قدر عقولهم". فلا تؤاخذ س. ع، فإن مدرسة دار العلوم تعلمهم: "فيها قولان"، وفيها ثلاثة أقوال, وفيها أربعة أوجه، ولكنها لا تعلمهم فيها أربعة طوابع...
ثم التفت إلى س. ع، وقال له: لا عليك، فأنا صاحبه وخليطه، وحامل علمه وراوية أدبه، وأكبر دعاته وثقاته، وما علمت هذه الحكمة منه إلا في هذه الساعة.
قال ا. ش: فإذا كان هذا، فإن لقائل أن يقول: لماذا لم يضع على كتابه عشرة من الطوابع، فيجيء به الساعي عشر مرات.
قال "النابغة": وهذا أيضا؟
"وما شر الثلاثة أم عمرو بصاحبك الذي لا تصحبين"؛ إن الشمعة في يد العاقل تكون للضوء فقط، ولكنها في يد المجنون للضوء ولإحراق أصابعه، كم الساعة الآن؟
قلنا: هي التاسعة.
قال: ومتى ينصرف أهل هذا الندي؟
قلنا: لتمام الثانية عشرة.
قال: فإذا كان الساعي يتردد في كل ساعة مرة، فهي أربع مرات إلى أن ينفض المجتمعون هنا، وبين ذلك ما يكون قد ذهب قوم عرفوا "نابغة القرن العشرين"، وجاء قوم غيرهم فيعرفونه، وأما بعد ذلك فلا يجد الساعي هنا أحدا؛ فلا تكون فائدة من مجيئه.
فصفق المجنون الآخر وقال: هذا وأبيك هو التهدي إلى وجه الرأي وسداده، وهذا هو الكلام الرصين الذي يقوم على أصول الحساب والجغرافيا... "ومما حفظناه" هذا الحديث: "لا مال أعود من العقل". فأربعة طوابع، لأربع مرات، في أربع ساعات؛ وما عدا هذا فإسراف وتبذير؛ ولا مال أعود من العقل.
ورضي "النابغة" عن صاحبه وقال له: لئن كانت فيك ضعفة إن فيك لبقية تعقل بها... ثم أخذ منه الرسالة ودسها في ثوبه. قلنا: ولكن ألا تفضها لنعرف ما فيها؟
فضحك وقال: أئن جاريتكم في باب المطايبة والنادرة، وجاريت هذا الأبله في باب جنونه وحمقه تحسبون أن الأمر على ذلك، وأن الرسالة فارغة إلا من عنوانها، وأن نابغة القرن العشرين هو أرسلها إلى نابغة القرن العشرين، كما قال سعد باشا: "جورج الخامس يفاوض جورج الخامس"؟ لحق -والله- أن العقل الكبير الذي يأبى الصغائر، هو الذي تأتي منه الصغائر أحيانا لتثبت أنه عقل كبير، وهكذا تسخر الحقيقة من كبار العقول "كنابغة القرن العشرين"...
فغضب المجنون الآخر وهم أن يتكلم, فقال له "النابغة": أنت كاذب فيما ستقوله.
قلنا: ولكنه لم يقل شيئا بعد، فكما يجوز أن يكون كاذبا يجوز أن يكون صادقا.
قال: وسيخطئ في رأيه الذي يبديه.
قلنا: ولم يبد شيئا من رأيه.
قال: ولا يعرف الحقيقة التي سيتكلم عنها.
قلنا: ويحك، أدخلت في عقل الرجل أم تعلم الغيب؟
قال: لا هذا ولا ذاك، ولكنه قياس منطقي يتوهم اطراده. إنه سيقول: إني مجنون...
فأخرج الآخر لسانه... قال "النابغة": تبا لك، لقد رأيت الكلمة في لسانك كأنها مكتوبة بحروف المطبعة. ويحك يا مرقعان1، ألا تعرف أن لك دماغا مخروقا تسقط منه أفكارك قبل أن تتكلم بها، ولولا أنه مخروق لحفظت المتن! إن كل تخطئة لي منك هي اعتراف لي منك بصواب.
فنظر الآخر إليه نظرة كان تفسيرها في حواجبه، إذ مط حواجبه2 ورقصها. فقال "النابغة": ونظراته خبيثة ملحة الطعم، مزعوقة كماء البحر المر أخذ من البحر وأضيف إلى ملحه الطبيعي ملح، أكاد أتهوع من هذه النظرة فأقيء.
الآن فهمت معنى قولهم: "ملحة في عين الحسود". فإن الملح لا يغلبه إلا الملح، كالحديد بالحديد يفلح، هاتوا كأسا من معتقة الخمر، ثم لينظر فيها الخبيث هذه النظرة، فإن الخمر لا بد مستحيلة "شربة ملح إنجليزي"... هذا الأبله ثقيل الدم كأن دمه مأخوذ من مستنقع... أهذا الذي لا يستطيع أن يقول لشيء في الدنيا: هو لي، إلا الفقر والجنون والخرافة, يكذب ما في الرسالة التي جاء بها البريد المستعجل، ولا يصدق أنها مرسلة إلى نابغة القرن العشرين من صاحب السمو الأمير؟
---------------
1 المرقعان والمرقع: الأحمق الذي يتمزق عليه رأيه فلا يجتمع له.
2 هما حاجبان. ولكن هذا الأسلوب هو الأفصح هنا، وهو كثير في العربية.
هذا الذاهب العقل هو كالجبان المنقطع في وحشة القفر، في ظلام الليل: إذا توجس حركة ضعيفة انقلبت في وهمه قصة جريمة ماؤها الرعب وفيها القتل والذبح؛ ولهذا يخشى ما في الرسالة التي جاءت من صديقي صاحب السمو. هاؤم اقرءوا الرسالة.
وفضضنا الغلاف، فإذا ورقتان ممهورتان بتوقيع أمير معروف، إحداهما صك بألف جنيه تدفع "لنابغة القرن العشرين"، والثانية أمر بالقبض على المجنون الآخر... وإرساله إلى المارستان...
وذهبت أصلح بينهما صلحا فقلت: إن في الحديث الشريف: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه إذ مر به رجل، فقال بعض القوم: هذا مجنون. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: $"هذا مصاب؛ إنما المجنون المقيم على معصية الله".
فقال صاحب المتن: "مما حفظناه" إنما المجنون المقيم على معصية الله.
قلت: وليس فيكما مقيم على معصية الله.
قال المجنون: "مما حفظناه": وليس فيكما مقيم على معصية الله.
قلت: هذا ليس من الحديث ولكنه من كلامي...
قال "النابغة": أنبأتكم أن هذا الأبله يضل في داره كما يضل الأعرابي في الصحراء؛ وإن الأسطول الإنجليزي لو استقر في ساقية يدور فيها ثور، لكان ذلك أقرب إلى التصديق من استقرار العقل في رأس هذا الأبله؟
فاحتدم الآخر وهم أن يقول: "مما حفظناه"، ولكني أسكته وقلت "للنابغة": إنك دائما في ذروة العالم، فلا غرو أن ترى المحيط الأعظم ساقية. "والنوابغ" هم في أنفسهم نوابغ، ولكنهم في رأي الناس مرضى بمرض الصعود الخيالي إلى ذروة العالم. ومن هذا يكون المجانين هم المرضى بمرض النزول الحقيقي إلى حضيض الآدمية؛ فهناك يعملون فتكون أفكارهم من أعمالهم، ثم تكون عقولهم من أفكارهم، فيكون هذا هو الجنون في عقولهم، وذلك معنى الحديث: "إنما المجنون المقيم على معصية الله".
قال "النابغة": لعمري إن هذا هو الحق؛ فنبوغ العقل مرض من أمراض السمو فيه؛ فالشاعر العظيم مجنون بالكون الذي يتخيله في فكره، والعاشق مجنون بكون آخر له عينان مكحولتان؛ والفيلسوف مجنون بالكون الذي يدأب في معرفته؛ ونابغة القرن العشرين مجنون... لا. لا. قد نسينا ا. ش، فهو مجنون، وس. ع فهو مجنون. وكل الناس مجنون بليلىوليلى لا تقر لهم بذاك
ومن حق ليلى ألا تقر لهم، إذ هي لا تقر إلا لنابغة القرن العشرين وحده؛ وما أعجب سحر المرأة في الكون النفساني للرجال! أما في الكون الحقيقي فهي أنثى كإناث البهائم ليس غير. وأعقل الرجال من كان كالحمار أو الثور أو غيرهما من ذكور البهائم. فالحمار لا يعرف الحمارة إلا أنها حمارة، والثور لا يعرف البقرة إلا أنها بقرة؛ ولا ينظمون شعرًا، ولا يكتبون "أوراق الورد"... وإناث البهائم أمَّات1 لا غير، ولكن العجيب أن ذكورتها ليست آباء؛ فهذه الذكورة طفيلية في الدنيا، والطفيلي لا يأكل إلا بحيلة يحتال بها، فيكون صاحب نوادر وأضاحيك وأكاذيب. ولهذا كان عشق الرجال للنساء ضروبا من الخداع والأكاذيب والأضاحيك والحيل والغفلة والبلاهة؛ وإذا نظرنا إليه من أوله فهو عشق، أما آخره فهو آخر الحيلة والأكذوبة، وهو قول الطفيلي: قد شبعت وقد رويت... ويحكم، أين أول الكلام؟
قلنا: أوله ما أعجب سحر المرأة في الكون النفساني للرجال!
قال: نعم هذا هو. إنه سحر لا أعجب منه في هذا الكون النفساني إلا سحر الذهب؛ فلو مسخت المرأة الجميلة شيئا من الأشياء لكانت سبيكة ذهبية تلمع؛ ولهذا يوجد الذهب اللصوص في الدنيا، وتوجد المرأة الجميلة لصوصا آخرين، فيجب أن يصان الذهب وأن تصان المرأة.
قلت: ولكن أليس من المال فضة، وهي توجد اللصوص كالذهب؟
قال: نعم، وفي النساء كذلك فضة، وفيهن النحاس؛ ولو أنت ألقيت ريالا في الطريق لأحدثت معركة يختصم فيها رجلان، ثم لا يذهب بالريال إلا الأقوى، ولو كنت قرشا لتضارب عليه طفلان، ثم لا يفوز به إلا من عض الآخر...
---------------
1 يقال في غير العاقل: أمات، وفي العاقل: أمهات.
ولكن "فورد" الغني الأمريكي العظيم الذي يجمع يده على أربعمائة مليون جنيه، لا يتكلم عن القرش؛ و"نابغة القرن العشرين" الذي يملك "ليلى"، لا يتكلم عن غيرها من قروش النساء...
قلت: فإني أحسبك أعلمتني أن اسمها فاطمة لا ليلى.
قال: هل يستقيم الشعر إذا قلت: وكل الناس مجنون بفاطمة، وفاطم لا تقر لهم؟ قلت: لا.
قال: إذن فهي "ليلى" ليستقيم الشعر... أما حين أقول: أفاطم مهلا بعض هذا التدلل، فهي فاطمة ليصح الوزن.
قلت: يشبه -والله- ألا يكون اسمها ليلى ولا فاطمة؛ وإنما هي تسمى حسب الوزن والبحر، فاسمها فعولن أو مفاعلتن.
ثم قلنا له: فما رأيك في الحب، فإنه ليقال: إنك أعشق الناس وأغزل الناس؟
قال: إن ذلك ليقال "وهو الأصح"، ثم أطرق يفكر. وبدا عليه أنه مدهوش ذاهب العقل، كأنه من قلبه على مسافة أبعد من المسافة التي بينه وبين عقله. وخيل إلي أن النساء قد حشرن جميعا في رأسه، ومرت كل واحدة تعرض مفاتنها وغزلها، وتلائم هذيانه بهذيان من جمالها، فهو يرى ويسمع ويعرض ويتخير. ثم اضطرب كالذي يحاول أن يمسك بشيء أفلت منه؛ فلم ينبهه إلا قول المجنون الآخر: "مما حفظناه" أن أعرابية سئلت عن العشق فقالت: إنه داء وجنون.
قال: اسكت يا ويلك لقد أطفأت الأنوار بكلمتك المجنونة. كان في رأسي مرقص عظيم تسطع الأنوار فيه بين الأحمر والأخضر والأبيض؛ وترقص فيه الجميلات من الطويلة والقصيرة والممشوقة والبادنة، فجئت بالداء والجنون -قبحك الله- فأخرجتني عنهن إليك. أحسب أنك لو انتحرت لصلح العالم أو صلحت أنا على الأقل... فإذا أردت أن تشنق نفسك فأنا آتيك بالحبل الذي كنت مقيدا فيه أي الحبل الذي عندي في الدار... على أن رأسك الفارغ مشنوق فيك وأنت لا تدري.
قال الآخر: ما أنت منذ اليوم إلا في شنقي وتعذيبي أو في شنق عقلي "على الأصح" . "ومما حفظناه" قول الأحنف بن قيس: إني لأجالس الأحمق ساعة فأتبين ذلك في "عقلي".
فلم يرعنا إلا قيام المجنون مسلحا بحذائه في يده... وهو حذاء عتيق غليظ يقتل بضربة واحدة؛ فحلنا بينهما وأثبتناه في مكانه. وقلنا: هذا رجل قد غلب على عقله فلا يدري ما يقول؛ فإذا هو دل على أنه مجنون، أفلا تدل أنت على أنك عاقل؟ ما سألناك في انتحاره وجنونه، بل سألناك رأيك في الحب؛ وما نشك أنك قد أطلت التفكير ليكون الجواب دقيقا، فإنك "نابغة القرن العشرين"، فانظر أن يكون الجواب كذلك.
قال: نعم إن العاقل إذا ورد عليه السؤال أطال الفكر في الجواب، فاكتب يا فلان "س.ع":
"جلس نابغة القرن العشرين مجلس الإملاء مرتجلا فقال1: قصة الحب هي قصة آدم، خلق الله المرأة من ضلعه. فأول علامات الحب أن يشعر الرجل بالألم كأن المرأة التي أحبها كسرت له ضلعا... وكل قديم في الحب هو قديم بمعنى غير معقول، وكل جديد فيه هو جديد بمعنى غير مفهوم؛ فغير المعقول وغير المفهوم هو الحب.
والجمرة الحمراء إذا قيل إنها انطفأت وبقيت جمرة فذلك أقرب إلى الصدق من بقاء الحب حيا بمعناه الأول إذا انطفأ أو برد.
والعاشق مجنون. وجنونه مجنون أيضًا، فهو كالذي يرى الجمرة منطفئة، ويرى مع ذلك أنها لا تزال حمراء، ثم يمعن في خياله فيراها وردة من الورد... وإذا سألته أن يصف الجمال الذي يهواه كان في ذلك أيضا مجنون الجنون، كالذي يرى قمر السماء أنه قد تفتت وتناثر ووقع في الروضة، فكان نثاره هو الياسمين الأبيض الجميل الذكي...
والمجنون يرى الدنيا بجنونه والعاقل يراها بعقله؛ ولكن العاشق المخبول لا ينظر من يهواه إلا بقية من هذا وبقية من ذلك، فلا يخلص مع حبيبه إلى جنون ولا عقل.
"والمجهول" إذا أراد أن يظهر في دماغ بشري لم يسعه إلا أحد رأسين: رأس المجنون ورأس العاشق...
---------------
1 هذا نص عبارته حين يريد التخليط.
ولا صعوبة في الحكم على شيء بأنه خير أو شر إلا حين يكون الخير والشر امرأة معشوقة. أما أوصاف الشعراء والكتاب للجمال والحب فهي كلها تقليد قد توسعوا فيه؛ والأصل أن ثورًا أحب بقرة فكان يقول لها: يا نجمة القطب التي نزلت من السماء لتدور في الساقية كما درات في الفلك.
قال "النابغة": هذا رأيي في حب العاشقين؛ أما حبي أنا "نابغة القرن العشرين" فيجمعه قولك: فل، ورد، زهر...
قلنا ما هذه الألغاز؟ وهل للحب متن كقولهم: حروف القلقلة يجمعها قولك "قطب جد"، وحروف الزيادة يجمعها قولك "سألتمونيها"؟
فتضاحك "النابغة"، وقال: تكاثرت الظباء على خراش، فلكيلا ننسى... إن كل حرف هو بدء اسم، الفاء فاطمة، واللام ليلى، والواو وردة، والراء رباب، والدال دلال، والزاي زكية, والهاء هند، والراء رباب...
قلنا: رباب قد مضت في "ورد".
قال: كنا تهاجرنا مدة ثم اصطلحنا بعد هند...
قلت: هكذا "النوابغ" فإن رجلا أديبا كانت كنيته "أبا العباس" فلما "نبغ" صيرها "أبا العير"1 وفتق له نبوغه أن يجعلها تاريخا يعرف منها عمره. قالوا فكان يزيد فيها كل سنة حرفا حتى مات وهي هكذا:
أبو العير طرد طيل طليري بك بك بك...
---------------
1 العير: الحمار وتكنى بعض الحمقى "أبو البقر" قياسًا على "أبو العير".
مصطفى صادق الرافعي


0 تعليقات:

إرسال تعليق