القوة الفكرية الداخلية والمساهمة في التأثير الشخصي وتنمية القوى الباطنية للسير الآمن في الحياة



يتوقف النجاح على التأثير الشخصي ـ الأقوياء ينجحون ـ ما ينتجه الأشخاص المنفعلون يجنيه الفاعلون. المال هو الأثر المحسوس للنجاح ـ المال واسطة وليس غايةـ شريعة المملكة الأدبية ـ تأثير الإيحاء ـ تأثير الاهتزاز الفكري ـ تأثير القوة الجاذبة ـ التأثير الحاصل من التكوين الخلقي.
سأفترض في الفصول التالية أنك صممت على تنمية قواك الباطنية لتسير آمنا في طريق الحياة التي اختطتها لنفسك.
يتوقف معظم النجاح على تمتعك بموهبة الفات نظر بني جنسك إليك واهتمامهم بك وسعيهم لمنفعتك إذا أمكنك أن تؤثر عليهم التأثير المرغوب.
انك مهما كنت مجملا بأكمل الصفات ولست حائزا على تلك القوة العظيمة التي ندعوها عادة بالمغنطيسية الحيوانية . فلا بد أن يسود عليك أولئك الحاصلون عليها ـ بصرف النظر عما تراه من الاستثناءات فلكل قاعدة شذوذ.
فالذين شذوا عن القاعدة العامة يعود نجاحهم في الغالب على نبوغهم في الفنون والمعارف والاختراعات والمؤلفات الأدبية . ومن السهل أن ندرك أن حقيقة نجاحهم آل إليهم من إجهاد الفكر أكثر من التعرف بالوجاء ومخالطة الكبرياء ومجالسة الأمراء.
انهم يعملون كثيرا ولكنهم لا يجنون ثمار عملهم فهم يزرعون وغيرهم يحصدون.
قد يحدث ولا ريب أن يكافأ العالم على سهره الليالي الطويلة في درس العلوم المجردة مستضيئا بقنديل ضئيل النور وتكون مكافأته في الغالب فائدة مالية.
غير أنه على الأكثر ينال المرء فلاحا على يد آخر يتكفل بنشر علمه ونقله من عالم العلم المجرد الى عالم يد آخر يتكفل بنشر علمه ونقله من عالم العلم المجرد إلى عالم العمل ومع ذلك فحصة المخدوم تكون أقل بكثير من حصة الخادم أو بالحرى ينال الناشر أكثر مما ينال العالم.
ولما كانت الأعمال هكذا لا يوجد مانع من اعتبار النجاح والفائدة المالية لفظتين مترادفتين لمعنى واحد.
ومعظم الفائدة ناتج من المغنطيسية الحيوانية الموجودة فيمن يشعر بها ويستخدمها.
فالمخترع والمؤلف والعالم وكل طالب علم ألئك جميعهم يمكنهم الانتفاع من المملكة الفكرية والوقوف على أسرارها والعمل على استخدامها في الدوائر المعقولة.
إلا أن الإنسان المدني الذي يكون على اتصال دائم ببني جنسه هو الذي تعرض له غالبا فرصة استعمال تلك القوة المدهشة التي لا تنيله النجاح فقط بل وقوامه المادي أي المال.
فالمال باعتبار صفته الذاتية ليس المثل الأعلى للحياة إنما يرغب فيه كواسطة بها يتمكن المرء من الحصول على رغبات الحياة وما تقدمه لنا من حسن وجميل.
أما إذا اعتبر غاية فالإنسان العاقل لا يتدانى الى السعي إليه لذاته.
وإذا كان الأمر كما قدمنا فيمكننا القول بأن كل أغراض الإنسان المتشبعة تتلاقى في سيرها عند نقطة الاتصال وهي المال.
قلنا فيما سبق أن معظم نجاح المرء يتوقف على مهارته في توليد ثقة الغير واهتمامهم به وفي اجتذابهم إليه والتأثير عليهم لمنفعته . فلا نظن أن من الضروري التبسط في إثبات ذلك خصوصا لمن كان على اتصال مستمر بالتجار أو برجال الأعمال.
وغرضنا الآن أن نعرف القارئ أن هذه القوة العجيبة التي لا تقوَّم بثمن تنمو في الإنسان بتأثير القانون الفكري.
وهذا ليس فقط سر المغنطيسية الحيوانية بل سر الحياة السعيدة والنجاح التام.
فالذي يحوز هذا الكنز يكون العالم بالنظر إليه كمحارة يستطيع فتحها والتلذذ بطعمها متى شاء.
أما الذي له جلد على إظهار خفاياه وتعويد نفسه على التمارين الضرورية لنمو قواه الكامنة فيه فهذا أيضا يشعر بالقوة تدب بمجرد علمه بالموضوع.
بيد أني أسمع القارئ يقول : كل ما ذكرته حسن وأود معرفة الكيفية التي اتبعها للوصول الى ذلك الأمر.
هذا هو غرضنا ولكننا نتقدم بالقارئ خطوة فخطوة في طريق النظرية ليأمن العثرة والزلل.
وقبل أن ندخل في التفصيلات يجب أن نعدد أولا الطرق المختلفة المستعملة للتأثير على الناس حتى نحصل على ما نرغب وهو النجاح.
يكون الفكر لك عونا بإحدى السبل الأربعة الآتية:
أولا: تؤثر مباشرا على غيرك بقوة فكرك أي بالإيحاء بمعنى أنه يمكنك الفات نظر الناس الى مشروعك والحصول على معاونتهم لك والتأكد من حمايتهم لعملك أي التأثير عليهم بكامل معنى الكلمة.
فهذه الخاصية – المضطربة في ما ندر من الأحوال – يمكن لكل فرد – ذكرا كان أو أنثى -  الحصول عليهما متى كانت عنده قوة الإرادة والثبات الضروريان لنمو هذه الموهبة الثمينة.
واغلب الطلبة يرغبون في معرفة هذا الفرع من دوحة المملكة الفكرية قبل معرفة سائر أجزائها وهذا السبب هو الذي يلجأ لمعالجة ذلك الموضوع في الفصل التالي.
ثانيا: بقوة الاهتزازات الفكرية المنبعثة مباشرة من النفس لتؤثر تأثيرا قويا على نفوس الآخرين ما لم يكن لهؤلاء المعرفة التي يتذرعون بها ضد تلك القوى وبذلك يكونون كالأولين فاعلين وليس منفعلين.
فمعرفة هذا القانون يجعلك أيضا أهلا للبقاء في حالة النفس الفاعلة الى تموجات واهتزازات فكر النفــوس الأخـرى.
ثالثا: بقوة تجمع الصفات الفكرية المبنية على نظرية (شبيه الشيء منجذب إليه).
فإنك بتفكرك المتوالي في شيء واحد – تجذب الأفكار المشابهة لفكرك والتي تحيط بك من كل جانب كما لو كانت جزءا من الجسم الفكري الكامل الذي يطوقنا بخفائه وقدرته العظمى.
فهذه القوة إحدى المؤثرات الكبرى التي تستعمل بغاية الدقة وتستمد المساعدة من جانب لم نكن نعيره كثير الالتفات.
(الأفكار أشياء محسوسة) ولها خاصية عجيبة في اجتذاب اهتزازات الأفكار الأخرى التي هي من جنس واحد وصفات متشابهة.
رابعا: بتقوية خلقك ومزاجك بواسطة القوة الفكرية حتى تستطيع سد مطالب ورغائب نفسك.
ينقصك بعض الصفات التي تساعدك على النجاح . وأنت عالم بها أكثر من أي إنسان آخر ولكنك تظهر بمظهر آخر إذا تظن ان هذه الفرجة في الأخلاق غريزية فيك لا يمكنك إصلاحها ورتقها.
ألا فاعلم أن معرفة قانون المملكة الفكرية أكبر عضد ومساعد لك في التغلب على تلك العيوب وفي تحصيل صفات جديدة علاوة على تقوية الصفات الحسنة التي تتصف بها.
وسأجتهد في الفصول التالية ان أدلك على الطريق الواجب السير فيها وانما يلزمك العمل بنفسك شأن كل إنسان يعمل لدنياه كأنه يعيش أبدا ولآخرته كأنه يموت غدا.