معاناة المراهق المغربي داخل الأسرة بين ردود الأفعال القاسية وعدم الاهتمام

سالت أحد الآباء عن تجربته مع أحد أبنائه عندما انتقل إلى مرحلة المراهقة فكان جوابه كالتالي: " عندما كان يدرس بالمدرسة الابتدائية كان هادئا سهلا، يسمع ويستجيب إلى كل ما أطلب منه بحيوية ونشاط، ويتجاوب بشكل إيجابي مع اخوته وأمه.

وعند انتقاله إلى المدرسة الإعدادية تغير بشكل مذهل جدا، حيث أصبح حادا جدا ،ولا ينفذ كل ما أطلب منه إلا بعد أن يراجعني بنوع من التوتر،وأصبح يرفض كل من يحاول التدخل في شؤونه الشخصية... ونحن لم نفعل هذا أبدا مع آبائنا!!.."

وسألت أحد الأمهات عن تجربتها مع بنتها الوحيدة عندما أدركتها مرحلة المراهقة فقالت: "بدأ صوتها يتغير، و اتسع حوضها، وصارت تهتم بشكلها وملابسها بشكل ملفت للانتباه، وبدأت تفضل المكوث في غرفتها وحيدة... لم أدرك ما حل بها!، ولم تغيرت بهذا الشكل الكبير!...".

يصنف المغرب ضمن دول العالم الثالث، حيث يعاني من التبعية الاقتصادية وارتفاع نسبة الفقر والأمية، كل هذا يكون له انعكاسات مباشرة على الأسرة المغربية باعتبارها خلية المجتمع تتأثر وتؤثر في المحيط الاقتصادي والسياسي والثقافي الذي توجد فيه.

ففي الأسر الفقيرة يكون هم الخبز هو جل اهتمامات الوالدين، ويؤدي هذا إلى إهمال الأبناء عاطفيا، ينتج عنه عدم متابعة سلوك الأبناء مع عدم محاولة فهمها قصد التوجيه والعناية.

والمراهق داخل هذه الأسر الفقيرة، تتنوع معاناته:
- الحرمان المادي الذي لا يغطي حاجياته المتنوعة من لباس وأكل ودراسة؛
- يواجه الآباء سلوكاته إما بالتجاهل أو بالرد العنيف اعتقادا منهم أن الضرب والإهانة هما الوسيلتان الفعالتان لتربية الأبناء تربية جيدة؛
- عندما يحاول أن يثبت ذاته في هذه الفترة داخل أسرته يواجه بردود أفعال قاسية من طرف اخوته وخاصة إذا كان أصغر منهم سنا.

إن تداخل هذه المعاناة فيما بينها تنتج عنه انعكاسات سلبية جدا تخلف لديه مشاكل اجتماعية ونفسية تؤثر عليه في المستقبل.

أما المراهق الذي يعيش في أسرة ذات الدخل المرتفع، فمعاناته في غالب الأحيان تتجلى في عدم فهمه من طرف الوالدين، خصوصا إذا كان الآباء و الإخوة لا يعرفون شيئا عن هذه المرحلة الحرجة من حياة الإنسان. و يؤدي توفر المال والسيارة و الهاتف... لديه إلي دخوله في مغامرات خطيرة جدا، وخاصة مع الجنس الآخر، و الذي قد ينتج عنه تعثر في الدراسة، أو تعرضه لأخطار لا يعرفها بفعل حداثة سنه.

وهكذا يكون على الأبوين ضرورة الاطلاع على خصوصيات هذه المرحلة التي يمر منها أبناؤهم، حتى يدركوا أن سلوكات المراهق هي عادية جدا، يجب تفهمها وتقبلها مع محاولة التوجيه اللطيف اللين دون عنف إقتداء بنبينامحمد صلى الله عليه وسلم، مع إعطائه المكانة و الاستقلال اللذان يبحث عنهما.

كل هذا يتم من خلال التقرب منه، ونسج علاقة صداقة معه تستطيع من خلالها التعرف على توجهاته والأعمال التي يحاول القيام بها، وبالتالي يتمكن الآباء من دفعه إلى العدول عما هو غير مقبول أخلاقيا وتربويا: "ولعل لجوء الوالدين إلى مصادقة المراهق أو المراهقة بصدر رحب، وثقة مميزة، وشعور بالعطف والاهتمام، أن يجعله مواطنا صالحا يستطيع مواجهة مشكلاته وحلها عن طريق الحوار والإيجابية".

كما يجب على الوالدين تجنب الحرص الشديد الذي تكون نتائجه في أغلب الأحيان عكسية، وأن يلجئوا إلى المولى عز وجل بالدعاء والتضرع إليه سبحانه أن يجعله عملا صالحا، وأن يجعل نار هذه المرحلة بردا وسلاما عليه، فانه سبحانه على كل شيء قدير.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال