الخليج العربي وأطماع القوى الإقليمية والدولية.. السيطرة على مضيق هرمز الإستراتيجي والتحكم في طرق التجارة البحرية مع الهند

منذ القرن الرابع عشر وما قبله والخليج العربي (وهو خليج عربي حتى النخاع برغم هيرودوت والنسخة التاسعةَ عشرةَ من معجم المنجد وغيرهما القائليْن بالخليج الفارسي) مصدر أطماع القوى الإقليمية والدولية. مَخَرَتْ عُبابَه سفنُ البرتغاليين والهولنديين والإسبان والروس والطليان والأمريكيين والفرنسيين والإنكليز (1913- 1972). فمثلاً، يقول الدكتور محمد الرميحي، المفكر الكويتي المعروف في كتابه 'البترول والتغيرات الاجتماعية في الخليج العربي' (1976): إن الخليج العربي شهد سنابك خيل الإنكليز قبل أن تشهدها اي بقعة أخرى في العالم العربي.

كانت كل قوة من تلك القوى العالمية، تستميت من أجل الهيمنة على الخليج العربي (مضيق هرمز الإستراتيجي) دون غيرها لتكون لها اليد الطولى أو (الشراع الأعلى) في مياهه ، للفوز بالتحكم في طرق التجارة البحرية مع الهند وغيرها من أقطار آسيا وللسيطرة على البحر الأحمر (باب المندب الإستراتيجي) الذي كانت تمر للسيطرة عليه من خلال الخليج العربي.

ولأن التاريخ يمكن أن يعيد نفسه، الآن تمخر عباب الخليج العربي أساطيل الولايات المتحدة الأمريكية ومعها أساطيل أو سفن بريطانيا وفرنسا وغيرهما من دول الناتو (الأمريكية أو الصهيونية ، لا فرق) وما أشبه الليلة بالبارحة. وعلى ضفته الأخرى (الضفة الفارسية للخليج العربي) تمخر عبابه أساطيل إيران وسفنها وتتطاير من فوقه ومن تحته وعلى مياهه مناوراتها ذات رسائل الـ SMS إلى كل من يعنيه الأمر. التاريخ إذن يمر بحالة من إعادة نفسه أو إعادة إنتاج مُجرياته في الخليج العربي في صورةٍ ماَّ ربما أو ربما هو (يستنسخ) نفسه في صورة ماَّ. وأمَّا أهل الخليج أو حكومات مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، فهي تتفرج على (صراع الديكة) بين القوة الإقليمية وهي إيران والقوى الكبرى وتقودها الولايات المتحدة الأمريكية (بإيعاز ربما من الصهيونية) وشعورها شعور المستجير من الرمضاء بالنار أو هي بين أمرين احلاهما مرُّ.

البرتغاليون مثلا ضربوا أم القْويِن (أي أم القويين أو الأقوياء)، إحدى إمارات نسيج دولة الإمارات العربية المتحدة ، بالمنجنيق خلال القرن الرابع عشر. وقبله وبعده ضُربت عمان وإمارات ساحلها (كما كانت تسمى إمارات دولة الإمارات العربية المتحدة) بالمنجنيق وبغير المنجنيق من أسلحة الدمار الشامل في تلك القرون.
وكان أهل الخليج العربي أشاوسَ أماجدَ دافعوا عن الحِمى وصمدوا برجالاتهم ونسائهم وأطفالهم وبالنزر اليسير من حطام الدنيا.

وما أحمد بن ماجد البحارة العربي الخليجي سوى واحد من عشرات الآلاف من نشامى الخليج العربي وأهل (الفزعة) وأهل النخوة فيه. ولعل شهرة أحمد بن ماجد جاءت فقط من أنه أرشد فاسكو دا غاما Vasco Da Gamaالبحارة البرتغالي منتصف القرن الخامس عشر تقريبا ، إلى (رأس الرجاء الصالح) وهي الطريق البحري الموصلة للهند وبفضل أحمد بن ماجد يعتبر فاسكو دا غاما أول أوروبي أسس التجارة البحرية مع الهند، سالكا الخليج العربي والبحر الأحمر. وتلك حنكة عالمة بالأنواء البحرية ومسارب البحار، تفوق بها أحمد بن ماجد على بحَّارة البرتغال وغيرهم.

وعاد (المنجنيق) الحديث أمريكيا هذه المرة ، ليَدُكَّ العراق الواقع في شمال الخليج، بدءاً من بداية تسعينات القرن الماضي، من البر والجو والبحر. وليقتل ويجرح ويعوق ويشرد ملايين العراقيين المدنيين، خاصة من الأطفال والنساء والشيبان في مشاهد تنفطر لها القلوب. وكما فعل أقوياء (أم القْويِن) فعل أحفادهم أقوياء العراق. دافعوا عن الحِمى وصدوا الغازي الأمريكي ومن معه من غزاة الناتو و(الصهيونية، فالحرب كما تدلل الوقائع قامت من أجلها من بين اسباب أخرى) وصمد أهل العراق وما يزالون صامدين ويقاومون.
وكما دحرت (أم القويين أو أم القْويِن) ومعهم أشقاؤهم أهل الخليج العربي البرتغاليين وغيرهم من فلول الاستعمار القديم بدءاً من القرن الرابع عشر، سيدحر العراقيون ومعهم أهل العروبة الأمريكيين، وسيدحر الفلسطينيون الصهاينة، وسيدحر أهل افغانستان وباكستان الأمريكيين والناتو، والإرهاصات واضحة وتبشر بذلك. هذه حتمية تاريخية. إن بحكم حقائق الجغرافيا والتاريخ، لا يملك المرء إلا أن يكون متفائلا وأما بحقائق السياسة..فإن السياسة والسياسيين لا يدومون. والسياسة متغيرة بتغير مصالحها هنا أو هناك.

كان الطمع في تلك العهود في ممرات الخليج المائية وفي موقعه الجيو سياسي والجيو إستراتيجي. وأما الآن فالطمع هو الطمع ولكن تغير شكله ومضمونه وأصبح طمع الدول الإقليمية والدولية في بتروله وغازه ومشتقاته وخيراته التي ما تزال مخبأة تحت الأرض والتي عند اكتشافها ستتفوق إستراتيجيا على البترول والغاز. فهذا الخليج العربي خيراته لا حصر لها. اليورانيوم والذهب والألماس وغيرها من معادن ثمينة (و هي إكتشافات مؤجلة ) يختزنها هذا الخليج العربي في بره وبحره والذي تتكالب عليه 'الأمم كما تتكالب القصعةُ على أكَلَتِها'.

وكما نَصَبَتْ تلك القوى الإستعمارية القديمة (والمُسْتَنْسَخَةِ حاليا) قواعد بحرية Onshore and Offshore وبرية، تنصب القوى الإستعمارية الجديدة (وريثة تلك ونسختها المعاصرة) القواعد البحرية والأرضية والجوية. وتزيد عليها بزراعة قواعدها البشرية والإقتصادية والتجارية والمالية والأَعْمالية والتعليمية والتربوية وبزراعة مدارسها وجامعاتها وثقافة تفكيرها.

وبمناسبة ذكر (ثقافة التفكير)، نقدم مثالا على أحد أوجه هذه الثقافة. فإن الخليج العربي اليوم تعجُّ سوبر ماركاته بأكل القطط والكلاب وتقدر الإحصاءات أنَّ ما يُصرف على شراء أكل القطط والكلاب (البطرانة) يتجاوز في المتوسط مئة وخمسين دولارا شهريا. وهو مبلغ يكفي لإعالة أسرة مكونة من أب وأم وسبعة اطفال في غزة المحاصرة من (قِبل نفس هذه القوى المساندة للصهيونية).

ولأن الغازي بأي شكل كان من أشكال الغزو دائمُ وديموميُّ الخوف على نفسه، فإن (الغزاة الموظفين) يسكنون في (ثكنات) تُسمى مجمعات سكنية compounds Complexesتحرسها سيارات شرطة وكأنهم يدركون أنهم أوبئة ولذلك لا بد من أن يُعزلوا في مثل هذه (المصحات) السكنية مع أطفالهم وكلابهم وقططهم. ولا ضير عليهم، فقد وفر لهم (ضيوفهم) كل ملذات الدنيا في هذه المجمعات السكنية أو الثكنات أو المصحات، لا فرق. فهي تكاد تكون مدناً متكاملة داخل مدن ربما، أقل تكاملا.

أ . د . علي الهيل
' اكاديمي قطري

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال