حجارة المرأة العربية في بركة الجمود واالتخلف الآسنة

 تشهد المرأة في الشرق الأوسط حراكاً، ولكن من الواضح أنه في اتجاهات مختلفة، حسب الاتجاه الذي ننظر فيه. خلال أقل من أربعين سنة انتقلت القاهرة من مدينة ذات طابع غربي إلى مدينة تلبس فيها غالبية النساء الحجاب أو حتى النقاب الذي يغطي وجوههن وكامل أجسادهن بما فيها أيديهن.

ويعزو الكثيرون هذا التوجه إلى الأصولية الإسلامية المتنامية، المتأثرة بطراز من السلفية تم استيراده من المملكة العربية السعودية.

إلا أن ملك المملكة العربية السعودية قام قبل فترة وجيزة بافتتاح جامعة جديدة تدرس فيها الفتيات إلى جانب زملائهن الفتيان دون أن يُفرَض عليهن لبس الحجاب.

نتحول أولاً إلى الأحداث السياسية والعلمية والثقافية في شبه الجزيرة العربية. ففي الكويت تحدّت نائبتان في البرلمان هما رولا دشتي وأسيل العوضي فتوى (وهي رأي قانوني غير ملزِم) من قبل رجل دين محلّي يأمرهما بالاستقالة من منصبيهما لرفضهما تغطية رأسيهما حسب القانون الإسلامي للدولة.

صرّحت المرأتان بشكل كامل أن الكويت يحكمها القانون المدني وأنه لا يوجد مكان في سياسة الدولة للفرض الإسلامي. وتنظر السيدتان للقانون الإسلامي بأنه لا يملك أية سلطة في القضية، واعتبرتا الفتوى غير متناسقة مع القوانين الدستورية التي تحكم البرلمان.
وقبل أسابيع قليلة حكمت المحكمة الدستورية بأن باستطاعة المرأتان الحفاظ بمقعديهما في البرلمان.

في هذه الأثناء وفي المملكة العربية السعودية، حقق الملك عبد الله ضمن محاولاته التي لا تلين للقيام بالإصلاحات في بلده، حقق حدثاً تاريخياً بافتتاحه جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا، وهي حرم جامعي مثير للإعجاب عالي التكنولوجيا بلغت كلفته عشرة مليارات دولار، لا يتوجب فيه على النساء من الطالبات وعضوات الهيئة التدريسية تغطية رؤوسهن أو وجوههن، وسوف يُقِمن في الحرم الجاعي، يدرسنَ ويختلطن مع زملائهن الطلبة.

وفي أبو ظبي الأسبوع الماضي، أصبحت هيفاء المنصور المعروفة بنشاطاتها في مجال قضايا المرأة أول صانعة أفلام سعودية تحصل على منحة الشاشة التي تبلغ قيمتها 100,000 دولار والتي تقدّم تمويلاً إنتاجياً للفائز بالمسابقة، وذلك على سيناريو "وجدة" وهي قصة فتاة سعودية ذات روح منطلقة تبلغ الحادية عشر عاماً من العمر بدأت تكبر في ذلك المجتمع الذي يفرض الكثير من القيود.

تتعارض هذه الأحداث الإيجابية في شبه الجزيرة العربية والتي تضم نساءاً في السياسة والعلوم والآداب، وبشكل واضح مع أحداث في مصر خلال الفترة ذاتها.

امتعض المصريون وأعضاء البرلمان حول ملاحظات أبداها عميد جامعة الأزهر الشيخ محمد سيد طنطاوي، الذي قال أنه لا يمكن للنساء تغطية وجوههن بالنقاب، مشيراً إلى أنه، أي النقاب، تقليداً ثقافياً لا علاقة له بالإسلام، عند حضور المحاضرات بالجامعة.

عند مقابلة أحداث كهذه مع تلك في شبه الجزيرة العربية، تبرز أسئلة هامة حول الأسباب وراء الاتجاهات المضادة في الشرق الأوسط المتعلقة بوضع المرأة.
يبدو الاقتصاد والتربية والقيادة في وسط الاتجاهات المتغيرة فيما يتعلق بوضع المرأة في دول الخليج العربي مقابل مصر.

لا يترك افتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا أي مجال للشك أنه عندما قرر الملك السعودي دفع بلده نحو القرن الحادي والعشرين أدرك أن التعليم يجب أن يكون حجر الزاوية لهذه المهمة.

كذلك يعتبر مستوى المعيشة في دول الخليج العربي واحداً من أعلى المستويات في العالم، ويتم الاستفادة من نتائج الازدهار الاقتصادي من قبل أفراد الجيل الأصغر عمراً.

ويعود التقدم البطيء وإنما الثابت للمرأة في دول الخليج العربي دون شك، وجزئياً على الأقل إلى الازدهار الاقتصادي والتعليم.

لماذا إذن، عندما نرى التوجهات الأكثر تقدماً والمتعلقة بالمرأة تبرز في دول الخليج المفترض أنها محافِظة أكثر، نرى توجهاً معاكساً في دول مثل مصر، التي اعتُبِرت عاصمتها القاهرة في يوم من الأيام "باريس على النيل"؟

رغم أنه لا يوجد سوى القليل من الشك بأن الثروة أو انعدام وجودها، تساهم في التوجهات المتباعدة في المنطقة، إلا أن ذلك لا يفسّر سبب عدم رؤيتنا للتوجهات المتراجعة في مصر تظهر في دول عربية أخرى مثل سوريا أو الأردن أو المغرب، التي تفتقر كذلك لثروات الخليج. تعود هذه التوجهات في مصر جزئياً لنظام تربوي ذو نوعية أقل على كافة المستويات.

استثمرت مصر خلال السنوات الثلاثين الماضية القليل في نظامها التعليمي وقامت بإدارته بشكل ضعيف عبر نظام فاسد بشكل متأصل ومركزي يفتقر إلى الكفاءة.

من المبكر إصدار قرار حول ما إذا كانت أي من هذه التوجهات حول وضع المرأة في الشرق الأوسط سوف تستمر. إلا أن ما هو أكيد هو أن التطورات المتباعدة التي نشاهدها اليوم هي نتيجة لعوامل اقتصادية وتربوية واجتماعية كما هي نتيجة لتطورات دينية.

من الضروري إذن أن تفهم الولايات المتحدة والغرب بشكل عام التغيّرات الحاصلة وأن تدعم المؤسسات التي تشجّع المزيد من تحرر المرأة وأن تحبط التوجهات المضادة في دول مثل مصر.

شكّلت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش تحالف الدول المستعدة لشن حرب على العراق.
تحتاج إدارة الرئيس باراك أوباما لأن تشكل تحالف من هم على استعداد لشن الحرب على الفقر والجهل في الشرق الأوسط.
يتوجّب عليها البدء بإعادة تخصيص موارد وكالة الإنماء الأمريكية المالية لمشاريع سوف تحسّن التعليم للجميع، ولكن للمرأة بشكل خاص.

كذلك سوف يولّد تحويل الموارد المالية من المؤسسة العسكرية إلى الجماهير تقديراً بين أفراد الشعب يشكل أكثر الأساليب فعالية لمحاربة التطرف الإسلامي.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال