حنظلة: شاهد على العصر.. تحريض الناس بعفوية الطفل الذي عقد يديه خلف ظهره



هل سمعتم به من قبل؟
إذا كنت تعرفه أو ما تعرفه .. أدعوك تقرأ عن هذا الـ “حنظلة” في هذه المدونة ..
من هو حنظلة؟
رمز رسمه الفنّان الشهيد ناجي العلي ليربط المشاهد بالقضية الفلسطينية، و ما يميز “حنظلة” عن غيره من الرموز -رغم إدارة ظهره للقارئ و المشاهد- إلا أنه يشارك كثير من وجدانيات ناجي العلي و همومه ..
طفل بسيط تغلب على ملامحه طابع السذاجة .. حافي القدمين .. و المفترض أن يكون بهذه الهيئة مضحكاً إلا أنه كثير ما يبكينا و يشركنا - أردنا أم لم نرد- في همومه و أحزانه !
يقول ناجي العلي عن حنظلة:
[ ولد حنظلة في العاشرة من عمره، و سيظل دائماً في العاشرة ، ففي تلك السن غادرتُ الوطن، وحين يعود، حنظلة سيكون بعد  في العاشرة، ثم سيأخذ في الكبر بعد ذلك ... قوانين الطبيعة المعروفة لا تنطبق عليه، إنه استثناء لأن فقدان الوطن استثناء ،.. وستصبح الأمور طبيعيةً حين يعود للوطن .. لقد رسمته خلافاً لبعض الرسامين الذين يقومون برسم أنفسهم ويأخذون موقع البطل في رسوماتهم ... فالطفل يُمثل موقفاً رمزياً ليس بالنسبة لي فقط ... بل بالنسبة لحالة جماعية تعيش مثلي وأعيش مثلها. .. قدمته للقراء و أسميته حنظلة كرمز للمرارة، في البداية قدمته كطفل فلسطيني لكنه مع تطور وعيه أصبح له أفق قومي ثم أفق كوني إنساني.
وربما تتساءلون لماذا حنظلة يدير ظهره للقارئ و هو مكتوف اليدين؟
يخبرنا ناجي العلي أنه رسم حنظلة في بداياته ملتقياً للناس وجهاً بوجه حاملاً للكلاشنكوف، فاعلاً، له دور حقيقي في الثورة والمقاومة..
كان رمزاً حراً للمقاومة و للشعب الفلسطيني الثائر [ كنت أحرض الناس .. بعفوية الطفل الذي عقد يديه خلف ظهره ، ولكن بعد حرب أكتوبر 1973 " كتفته" باكراً لأن المنطقة ستشهد عملية تطويع وتطبيع مبكرة قبل رحلة " السادات " ... من هنا كان التعبير العفوي لتكتيف الطفل هو رفضه وعدم استعداده للمشاركة في هذه الحلول ، وقد يعطى تفسيراً أن لهذا الطفل موقفاً سلبياً ينفي عنه دور الإيجابية، لكنني أقول: إنه عندما يرصد تحركات كل أعداء الأمة، ويكشف كافة المؤامرات التي تحاك ضدها، يبين كم لهذا الطفل من إسهامات إيجابية في الموقف ضدالمؤامرة ... وهذا هو المعنى الإيجابي. ..أريده مقاتلاً ، مناضلاً و.. حقيقة الطفل أنه منحازٌ للفقراء، لأنني أحمل موقفاً طبقياً، لذلك تأتي رسومي على هذا النحو ، والمهم رسم الحالات والوقائع وليس رسم الرؤساء والزعماء
إن"حنظلة"شاهد العصر الذي لايموت.. الشاهد الذي دخل الحياة عنوة ولن يغادرها أبداً .. إنه الشاهد الأسطورة ، وهذه هي الشخصية غير القابلة للموت ، ولدت لتحيا ، وتحدت لتستمر ، هذا المخلوق الذي ابتدعته لن ينتهي من بعدي ، بالتأكيد ، وربما لا أبالغ إذا قلت أني قد أستمر به بعد موتي . [
إذا فنحظلة لم يكن مجرد رسم عابر .. بل كان شاهد عصر لا يموت كما يقول ناجي عنه .. كان الوجه السياسي الحرّ لناجي
ناجي / حنظلة أخذ على عاتقه توضيح الحقائق و كشف الزيف و الكلام بلا مجاملة
و بالمناسبة فناجي العلي هو صاحب أحمد مطر - الشاعر الثائر و ملك التفعيلة السياسية - تشاركا معاً في جريدة القبس الكويتية لفترة من الزمن
فتبدأ الثورة بـ "مطر" يهطل مع بداية قراءة الجريدة في [ لافتات ] و تنتهي بغصة مرة في حلوقنا يسقيها لنا الـ “حنظلة” .. و هكذا استمرت صداقاتهم حتى بعد هجرتهم إلى بريطانيا
حنظلة كان يعلم أن صراحته ستدمره .. و ستسبق صرخاته .. لكن لم يكن ليخشى الموت؛ لأنه حتى و إن قتل و اغتيل ناجي العلي ستبقى رسوماته و حنظلة شاهدين على رجل لم يعرف المعاملة و لا المجاملة مع العدو ..!
اغتيل ناجي العلي بعد أن أصابته رصاصة الغدر و الخيانة ..
ليس بالغريب أن يغتال فناجي توقع مثل هذا السيناريو بالتمام، و لا يهم من الفاعل و لا الآمر فعملاء صهيون كثر بيننا !!
لكن نأسف على حال أمة كلما ارتفع صوت ضمير حرّ بداخلها تسارعت قواها لإخراسه و كتمه !
كانا متوقعاً بالتأكيد - خصوصاً بعد العشرة الطويلة - أن يتحول ذاك الـ “مطر” إلى عواصف مرعبة و سيول جارفة بعد اغتيال ناجي العلي؛ لا مطراً فقط ..
و لكن تفاجئ الجميع بأن مطراً لم يكتب شئ لحظتها و لم يرثي رفيق دربه و شريك همّه ..
بعد فترة لم تطل كثيراً .. كتب كعادته بـ وجع لا يحتمله أحد [شكراً على التأبين و الإطراء] ..