شرح وإعراب: أكنيه حين أناديه لأكرمه + ولا ألقبّه والسوءة اللّقب - كذاك أدّبت حتى صار من خلقي + إنّي وجدت ملاك الشيمة الأدب



أكنيه حين أناديه لأكرمه + ولا ألقبّه والسوءة اللّقب
كذاك أدّبت حتى صار من خلقي + إنّي وجدت ملاك الشيمة الأدب

هذان البيتان في حماسة أبي تمام، لبعض الفزاريين، ولم يعيّنه، يصف حسن عشرته لصاحبه وجليسه فيقول: إذا خاطبته، خاطبته، بأحبّ الأسماء إليه وهو الكنية وأعدل عن نبزه ولقبه، لأني على هذا أدّبت حتى تطبّعت به فصار خلقا ثانيا لي.

وإن كان أصله تخلّقا، إني وجدت الأدب ملاك الأخلاق، والملاك اسم لما يملك به الشيء.

ويروى هذان البيتان في شرح المرزوقي بنصب القافية، ولا شاهد في البيت الثاني حينئذ.
وقد حاول الشارح إيجاد التعليل لهذه الرواية، فأغرب، وكانت بعيدة عن الذوق وبخاصة في البيت الأول.
[انظر ج 3/ 1146].

وفي رواية التبريزي، بالرفع، والشاهد في البيت الثاني.
وإعرابه: كذاك: الكاف في مثل هذا التعبير، اسم، بمعنى (مثل) صفة لمصدر محذوف.

واسم الإشارة مضاف إليه، أو: الكاف جارة لمحل اسم الإشارة، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف يقع نعتا لمصدر محذوف، يقع مفعولا مطلقا ل «أدبت». والتقدير: تأديبا مثل هذا التأديب أدبت.

صار: فعل ناقص.
وفي اسمها روايتان: الأولى: ضمير مستتر - (ومن خلقي) الجار والمجرور خبرها. وعلى هذا

تكون رواية الشطر الثاني بكسر همزة إنّ في أوله، على الابتداء.
والرواية الثانية: من خلقي: خبرها مقدم. و «أني» - بفتح الهمزة - واسمها وخبرها مصدر مؤول اسم صار.

(وجدت ملاك الشيمة الأدب)، وفيها الشاهد: وجدت: فعل وفاعل، والفعل أصله ينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر... وفي عملها، وجهان؛ بل ثلاثة وجوه، الأول:

(ملاك .. الأدب) مبتدأ وخبر سدّا مسدّ مفعولي وجد، على تقدير لام ابتداء علّقت الفعل عن العمل في لفظي المبتدأ والخبر والأصل: وجدت لملاك الشيمة الأدب، الثاني:

الجملة الاسمية في محل نصب مفعول ثان لوجد ومفعوله الأول ضمير شأن محذوف وأصل الكلام «وجدته»، أي: الحال والشأن، والثالث: وجد - فعل ملغى، والكوفيون يرون أن إلغاء الأفعال الناصبة مفعولين جائز، مع تقدم الفعل، مثل جوازه مع التوسط والتأخر ..

والقولان السابقان للبصريين.. ورأي الكوفيين أوفق وأقرب، لأن الإعراب مع عدم التقدير، أولى من الإعراب مع التقدير والحذف.

ولكن، بقيت نقطة هامة في الموضوع: وهي أن الكوفيين والبصريين يتخاصمون فيما لا خصومة فيه، لأنّ الأبيات مروية بالنصب، وبهذا تكون «وجد» عملت في المفعولين (وجدت ملاك الشيمة الأدبا).

والغريب أن كثيرا من الشواهد التي يأتي بها النحويون دليلا على بعض افتراضاتهم، تكون محرّفة، ومعدولة عن طريقها التي نطق بها الشاعر.

وكثيرا ما يكون سبب ذلك، أنهم يعتمدون على الأبيات المفردة، ولا ينظرون ما قبلها وما بعدها، أو أنّ القطعة الشعرية تكون غائبة عنهم، ولا يبحثون عنها لمعرفة البيت في سياقه، وهذه نقطة هامة يجب أن نتنبّه إليها عند ما نحرر القواعد للناشئة، فلا نأتي بالأمثلة من الأبيات المفردة.

وقد مرّ معنا أمثلة مما حرف النحويون قافيته، انظر أبيات عبد الله بن مسلم، التي مطلعها «يا للرجال ليوم الأربعاء ... قافية الباء» وسيأتي فيما بعد في قافية الميم البيت:
وكنت إذا غمزت قناة قوم + كسرت كعوبها أو تستقيما

هكذا روى سيبويه ومن جاء بعده، البيت منصوب القافية، مع أن البيت مع مجموعة أبيات، وجاءت قافية البيت مرفوعة، وبنى عليه النحويون حكما نحويا أنّ (أو)، بمعنى «إلا» تضمر بعدها (أن) وجوبا.

وقد اعتذر العلماء لسيبويه أنه سمعه كذلك ممن يستشهد بقوله، وأنه سمعه مفردا.. موقوفا على آخره.. وهو اعتذار غير مقبول، لأن من واجب واضع القانون أن يراعي حال الكلمة في مجتمعها، بل في سياقها، والبيت في قصيدته.
[الخزانة ج 9 /139، والهمع/ 1/ 153، والأشموني ج 2/ 29، والمرزوقي 1146].


ليست هناك تعليقات