عوارض أحوال المسند.. تقديم أدوات الصدر. التقديم لأجل السجع. تقديم أسماء الأعداد



عوارض أحوال المسند:

قد عرفت أن المسند هو الكلمة المضمومة إلى غيرها لإفادة مدلولها محكوم به لذلك الغير، فالمسند هو: خبر المبتدأ، وفعل الفاعل أو نائبه إذا كان الفعل تاماً، واسم الفعل، والمبتدأ الوصف المستغني بمرفوعه عن الخبر لأن ذلك المبتدأ في قوة الفعل فلذلك عمل في الفاعل، وخبر كان وأخواتها، وخبر أن وأخواتها.

أحوال المسند:

وقد نبهك هذا إلى أن المسند قد يكون اسماً وقد يكون فعلاً فلا جرم أنك تتطلب الفرق بين الداعي للبليغ أن يأتي بالمسند مرة اسماً ومرة فعلاً: فاعلم أنه يأتي به فعلاً إذا أراد التقييد بأحد الأزمنة الماضي والحال والمستقبل على أخصر وجه فيغنيه أن يقول قدم صديقك عن أن يقول قدوم صديقك أمس فيكون الإتيان بالفعل طريقاً من طرق الإيجاز عند إفادة الزمان مع ما في الفعل من إفادة كون الوصف غير ذاتي للمسند إليه ويزيد المضارع فيدل على تجدد الحصول([1]) آناً بعد آن نحو (الله يستهزئ بهم).

الإتيان بالمسند اسما:

ويأتي البليغ بالمسند اسما عند إرادة عدم التقييد بأحد الأزمنة وإرادة عدم التجدد فقولك زيد منطلق لا تعرض فيه لأكثر من إثبات وصف الانطلاق له فهو شبيه حينئذ بالصفات التي لا دلالة لها على شيء من الحدوث نحو زيد طويل مثال ذلك قوله تعالى حكاية عن المنافقين (وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون) أشاروا إلى أن الاستهزاء بالمؤمنين صفة ملازمة لهم ليست بأمر حادث فيهم.

أحوال المسند الفعلي:

ثم من أحوال المسند الفعلي أن يقيد بالشرط على معنى أداة من أدواته المذكورة مع معانيها في كتب النحو فلا فائدة في ذكر تفاصيلها في هذا العلم وإنما يتعلق الغرض ببيان الفرق بين الشرط بإن والشرط فإذا لأن النحاة أهملوا فإنهما مشتركتان في الدلالة على أصل التعليق والاستقبال دون زيادة لكن الغالب في الشرط بإن أن يدل على عدم اليقين بوقوع الشرط سواء كان مستقرب الوقوع لكن بلا جزم كقوله تعالى (وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم) فإن إيمانهم وتقواهم واقعان ([2]) أو كان مشكوكا في وقوعه ضعيف الاحتمال كقول المعري:
فإن استطع في الحشر آتك زائر -- وهيهات لي يوم القيامة إشغال

أحكام (إذا) و(أن):

وإما إذا فإصلها الدلالة على اليقين بوقوع شرطها نحو (إذا جاء نصر الله والفتح) الآية هذا هو الأصل وقد جاء على ذلك قوله تعالى (فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه) لأن نعم الله على العباد كثيرة والمصائب نادرة (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة).

وقد تستعمل أن في مقام اليقين لتنزيل اليقين منزلة الشك كما إذا كان حال المخاطب حال من يشك في الأمر اليقين كقول طرفة:
ألا أيها ذا الزاجري أحضر الوغى + إن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
فإن كنت لا تستطيع دفع منيتي -- فدعني أبادرها بما ملكت يدي

وتستعمل إذا في مقام عدم اليقين كتصور المر المحبوب كثيرا وقوعه لشدة تعلق القلب بكثرته كقول النابغة:
إذا تغنى الحمام الورق ذكرني -- ولو ترحلت عنها أم عمار

حالات تأخير وتقديم المسند:

وأصل المسند التأخير عن المسند إليه. وقد يقدم ليفيد تقديمه قصر المسند إليه على المسند نحو (لا فيها غول) أي أن عدم الغول مقصور على الكون في خمر الجنة وسيأتي في القصر.
وقد شاع عند العرب تقديم أسماء الأعداد عند قصد جمع أشياء ليفيد التقديم تشويقا للمعدود نحو قوله صلى الله عليه وسلم (سبعة يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله أمام عادل إلخ) ونحو (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن الحديث) ونحو قول محمد بن وهيب في مدح المعتصم العباسي:
ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها -- شمس الضحى وأبو إسحاق والقمر

وهذا كله ما لم يكن التقديم لسبب يحتم التقديم في النحو مثل تقديم أدوات الصدر في نحو كيف أنت وأين اللقاء ومتى الظعن. أو لسبب يعرف أنه لفظي غرض فيه لغير اللفظ مثل التقديم لأجل السجع كقول الحريري في المقامة الثانية (فإذا هو مثافن لتلميذ. على خبز سميذ، وعجل حنيذ وقبالتهما خابية نبيذ) فتقديم قوله قبالتهما على المسند إليه لقصد السجع إذ لا يحتمل معنى القصر. وأصل المسند التنكير وقد يعرف لإغراض أهمها إفادة القصر كما سيأتي في بابه.

([1]) أشرت إلى أن التجدد ينبغي أن يخص بالمضارع، وأما الماضي والحال فلا يدلان إلا على كون الوصف غير ذاتي وقد عبروا عن الأمرين بالتجدد.

([2]) والله يعلم من يؤمن ومن لا يؤمن وإنما أبرز الكلام في صورة ما لا جزم فيه على طريقة العرب لو تكلموا في مثل هذا المقام لقصد حث المسلمين على الثبات في الإيمان والتقوى كي يجزم المتكلم بحصولهما منهم.