البيئة الجغرافية وحياة العرب في جاهليتهم اجتماعيا وأخلاقيا وسياسيا ودينيا.. مظاهر الحياة العقلية عند العرب. لغة العرب



البيئة الجغرافية للعرب:

شبه جزيرة العرب صحراوية في معظمها يسود أرضها الجفاف ولكن حين تحظى بمطر أو ينبوع يتحول بعض أجزائها روضات بهيجة تسر الناظرين.
ولاشك أن الإنسان هو ابن الأرض تطبعه بطابعها وتلون أخلاقه ومزاجه وعاداته بلون تضاريسها ومن هنا فقد طبعت الصحراء أخلاق العرب بطابعها فتحلوا بالشهامة والكرم والنجدة وكراهة الخسة والضيم.
وقد كانت كل هذه الصفات موضوعات خصبة أمدت الأدب العربي بمعظم أفكاره ومعانيه.

حياة العرب الاجتماعية:

كان عرب الجاهلية فريقيين وهم: حضر وكانوا قلة وبدو وهم الكثرة.
أما الحضر فكانوا يعيشون في بيوت مبنية مستقرة ويعملون في التجارة - الزراعة - الصناعة ويحيون حياة استقرار في المدن والقرى ومن هؤلاء المدن سكان مدن الحجاز: مكة - يثرب - الطائف - سكان مدن اليمن كصنعاء - وكثيرون من رعايا مملكة المناذرة ومملكة الغساسنة.

كما أنه من أشهر حضر الجاهلية سكان مكة وهم قريش وأحلافها وعبيدها وكانت قوافلهم آمنة محترمة لأن الناس يحتاجون إلى خدمات قريش أثناء موسم الحج ولهذا ازدهرت تجارة قريش وكانت لها رحلتان تجاريتان رحلة الشتاء إلى اليمن ورحلة الصيف إلى الشام.

وأما أهل البادية فكانت حياتهم حياة ترحال وراء منابت العشب لأنهم يعيشون على ماتنتجه أنعامهم وكانوا يحتقرون الصناعة ويتعصبون للقبيلة ظالمة أو مظلومة.

حياة العرب الأخلاقية:

كانت لعرب الجاهلية أخلاق كريمة تمم الإسلام مكارمها وأيدها كما كانت لهم أخلاق ذميمة أنكرها الإسلام وعمل على محوها.
فمن أخلاقهم الكريمة: الصدق، الوفاء، النجدة، حماية الذمار، الجرأة والشجاعة، العفاف، احترام الجار، الكرم وهو أشهر فضائلهم وبه مدحهم الشعراء.
أما عاداتهم الذميمة فهي الغزو، النهب والسلب، العصبية القبلية، وأد البنات، شرب الخمر، لعب القمار.

حياة العرب السياسية:

كان العرب من حيث حياتهم السياسية ينقسمون إلى قسمين:
1- قسم لهم مسحة سياسية ، وهؤلاء كانوا يعيشون في إمارات مثل: إمارة الحيرة، إمارة الغساسنة، إمارة كندة، مكة يمكن اعتبارها من هذا القبيل لأن نظاماً سياسياً كان ينتظمها.
2- قسم ليس لهم وضع سياسي، وهم من البدو الرحل ينتمون إلى قبيلة معروفة وتخضع كل قبيلة لشيخها.

الحياة الدينية للعرب:

كان معظم العرب وثنيين يعبدون الأصنام ومن أشهر أصنامهم: هبل- اللات- العزى-مناة كما كانت لهم هناك أصنام خاصة في المنازل.
كما أن من العرب من عبد الشمس والقمر والنجوم، وكان القليل من العرب يهود أو نصارى لكنهم لم يكونوا على بصيرة وفهم لشريعتهم.

على أن فئة من عقلاء العرب لم تعجبهم سخافات الوثنية وهدتهم فطرتهم الصافية فعدلوا عن عبادة الأصنام وعبدوا الله على ملة ابراهيم عليه السلام وكانوا يسمون الحنفاء.
ومن هؤلاء: قس بن ساعدة، ورقة بن نوفل.
كما كان محمد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتعبد في الغار على ملة ابراهيم فكان أيضا من الحنفاء.

مظاهر الحياة العقلية عند العرب:

يجدر بنا قبل دراسة بعض نماذج الأدب الجاهلي من الشعر والنثر وإن كان النثر قليلا جدا مقارنة بالشعر أن نقدم بهذه اللمحة عن بيئة الأدب، ومظاهر الحياة العربية المختلفة من سياسية، واجتماعية، ودينية وعقلية فالأدب صورة للحياة وللنفس وللبيئة الطبيعية والاجتماعية.

ويطلق الأدب الجاهلي على أدب تلك الفترة التي سبقت الإسلام بنحو مائة وثلاثين عام قبل الهجرة.
وقد شب هذا الأدب وترعرع في بلاد العرب،يستمد موضوعاته ومعانيه،ويستلهم نظراته وعواطفه من بيئتها الطبيعية والاجتماعية والفكرية، ويحدد لنا بشعره ونثره فكرة صادقة عن تلك البيئة. مما يعين الدارس على فهم أدب ذلك العصر، واستنتاج خصائصه التي تميزه عن سائر العصور الأدبية التي جاءت بعده مع أن الكثير منه مجهول لضياع أثاره ولا نعرف عنه إلا القليل.

لغة العرب:

اللغة العربية هي إحدى اللغات السامية التي نشأت عن أصل واحد، وهي الاشورية والعبرية والسريانية والحبشية).
وتقتصر اللغات العربية في كتابتها على الحروف دون الحركات، ويزيد حروفها عن اللغات الآرية مع كثرة الاشتقاق في صيغها.

وقد مرت اللغة العربية بأطوار غابت عنها مراحلها الأولى، ولكن مؤرخي العربية اتفقوا على أن للعرب منذ القديم لغتين: جنوبية أو قحطا نية، ولها حروف تخالف الحروف المعروفة، وشمالية أو عدنانية، وهي أحدث من لغة الجنوب.
وكل ما وصلنا من شعر جاهلي فهو بلغة الشمال، لأن الشعراء الذين وصلتنا أشعارهم إما من قبيلة ربيعة أو مضر، وهما منا القبائل العدنانية، أو من قبائل يمنية رحلت إلى الشمال، كطيئ وكندة و تنوخ.

وقد تقاربت اللغتان على مر الأيام بسبب الاتصال عن طريق الحروب و التجارة والأسواق الأدبية كسوق عكاظ قرب الطائف، وذي المجاز و مجنة قرب مكة.
وبذلك تغلبت اللغة العدنانية على القحطانية،وحين نزل القران الكريم بلغة قريش،تمت السيادة للغة العدنانية، وأصبحت معروفة باللغة الفصحى.

تأثير نزول القرآن:

وقد كان لنزول القرآن بها اثر في رقيها وحفظها وإثرائها بكمية هائلة من الألفاظ والتعبيرات و المعاني مما أعان على بسط نفوذها، واستمرار الارتقاء بها في المجالات العلمية والأدبية إلى عصرنا الحالي.
وفي مثل الظروف الاجتماعية التي عاشها العرب، لا يكون علم منظم،ولا علماء يتوافرون على العلم، يدونون قواعده و يوضحون مناهجه إذ أن وسائل العيش لا تتوافر، ولذلك فإن كثيرا منهم لا يجدون من وقتهم ما يمكنهم من التفرع للعلم، والبحث في نظرياته وقضاياه.

وإذا كانت حياة العرب لم تساعدهم على تحقيق تقدم في مجال الكتب والعمل المنظم، فهناك الطبيعة المفتوحة بين أيديهم، و تجارب الحياة العملية وما يهديهم إليه العقل الفطري، وهذا ما كان في الجاهلية، فقد عرفوا كثيرا من النجوم ومواقعها، والأنواء وأوقاتها، واهتدوا إلى نوع من الطب توارثوه جيلا بعد جيل، وكان لهم سبق في علم الأنساب والفراسة، إلى جانب درايتهم القيافة والكهانة، كما كانت لهم نظرات في الحياة.

أما الفلسفة بمفهومها العلمي المنظم، فلم يصل إليها العرب في جاهليتهم ، وإن كانت لهم خطرات فلسفية لا تتطلب إلا التفات الذهن إلى معنى يتعلق بأصول الكون، من غير بحث منظم وتدليل وتفنيد، من مثل قول زهير:
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب -- تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم
وأكبر ما يتميز به العرب الذكاء وحضور البديهة وفصاحة القول لذلك كان أكبر مظاهر حياتهم الفكرية لغتهم وشعرهم وخطبهم ووصاياهم وأمثالهم.