نظرية الحجم الأمثل للسكان:
ترى نظرية الحجم الأمثل للسكان أنَّ لكل إقليم حجماً مثالياً للسكان، يتناسب مع مقدرته الإنتاجية، وكل زيادة للسكان في الإقليم الذي ينقص عدد سكانه عن الحجم الأمثل تؤدي إلى زيادة الإنتاج بنسبة تزيد عن نسبة هذه الزيادة.
فإذا ما تعدَّى عدد السكان هذا الحجم؛ فإنَّ أية زيادة سكانية يترتب عليها انخفاض كمية المنتجات التي تخص الفرد في المتوسط.
فإذا ما تعدَّى عدد السكان هذا الحجم؛ فإنَّ أية زيادة سكانية يترتب عليها انخفاض كمية المنتجات التي تخص الفرد في المتوسط.
نظريتا الإنتاج والغلة المتناقصة:
ويتضح من هذا أنَّ فكرة الحجم الأمثل للسكان تعتمد على نظريتيْ: الإنتاج، والغلة المتناقصة.
فهي تفترض أنَّ مقدار العمل المتوفر في أي إقليم يتوقف على تعداد سكانه، أو أنَّ مقدار العمل اللازم للإنتاج يتوقف على مدى توفر عوامل الإنتاج الأخرى من رأس المال والموارد الطبيعية.
فإذا كان العمل نادراً بالنسبة لعاملي الإنتاج الآخرين؛ فإنَّ أي زيادة في عرضه تؤدي إلى تزايد الغلة، وتستمر هذه الزيادة حتى تصل إلى نقطة يجب عندها التوقف عن استخدام أموال جديدة، وإلاَّ فإنَّ النتيجة ستكون تناقصاً في الغلة.
فإذا كان العمل نادراً بالنسبة لعاملي الإنتاج الآخرين؛ فإنَّ أي زيادة في عرضه تؤدي إلى تزايد الغلة، وتستمر هذه الزيادة حتى تصل إلى نقطة يجب عندها التوقف عن استخدام أموال جديدة، وإلاَّ فإنَّ النتيجة ستكون تناقصاً في الغلة.
حجم السكان ومقدرة الإقليم الإنتاجية:
ويفهم من هذا التحليل؛ أنَّ الحجم الأمثل للسكان ليس ثابتاً، بل يتغيَّر طبقاً للتغيُّرات التي تحدث لمقدرة الإقليم الإنتاجية، أي طبقاً لحجم ودرجة كفاءة عوامل الإنتاج الأخرى.
ولذلك فإنَّ الإقليم الذي يصل عدد سكانه إلى العدد الأمثل؛ يجب عليه أنْ يزيد من رأس المال المستخدم في الإنتاج (عدد الآلات)، وكذلك مساحة الأراضي المزروعة، فإذا لم تزد هذه العوامل الأخرى بنسبة كافية؛ فإنَّ النتيجة تكون تعرُّض السكان لانخفاض مستوى المعيشة إذا ما زاد عددهم.
ولذلك فإنَّ الإقليم الذي يصل عدد سكانه إلى العدد الأمثل؛ يجب عليه أنْ يزيد من رأس المال المستخدم في الإنتاج (عدد الآلات)، وكذلك مساحة الأراضي المزروعة، فإذا لم تزد هذه العوامل الأخرى بنسبة كافية؛ فإنَّ النتيجة تكون تعرُّض السكان لانخفاض مستوى المعيشة إذا ما زاد عددهم.
ملاحظات حول نظرية الحجم الأمثل للسكان:
والملاحظات التي أثيرت بشأن هذه النظرية كثيرة، ولكن نتعرض لأهمها:
1- الحجم الأمثل والحد الأقصى للسكان:
إنَّ قبول فكرة وجود حجم أمثل للسكان؛ يعني قبول فكرة وجود حجم أقصى لهم. ويعبِّر هذا الحجم الأقصى عن أكبر عدد من السكان يستطيع أنْ يتحمَّله الإقليم، بحيث لو زاد عن هذا القدر انخفض مستوى المعيشة إلى ما دون حد الكفاف.
وتقترب نظرية الحجم الأمثل للسكان في هذا الشأن من نظرية مالتس، فالحد الأقصى المشار إليه هو الحد الذي تنشط عنده الموانع الإيجابية التي ذكرها مالتس.
2- نسبية العلاقة بين عدد سكان دولة ما ومستواها الاقتصادي:
لعل من أسباب تأييد الكثيرين لهذه النظرية؛ هو ما أتت به من تعريف جديد للدول المزدحمة بالسكان والدول قليلة السكان.
فطبقاً لتعاليم النظرية فإنَّ عدد السكان في الكيلو متر المربع لا يصلح أساساً لمعرفة ما إذا كانت الدولة مزدحمة بالسكان أم لا، فالدولة تعتبر قليلة السكان إذا كانت تستطيع أنْ تقبل سكان جدد وتستفيد منهم في رفع مستوى المعيشة فيه، بصرف النظر عن العدد الفعلي للسكان في الكيلومتر المربع، وبالعكس فإن الدولة تعتبر مكتظة بالسكان إذا كان عدد سكانها لا يمكن أن يتزايد دون أن يصحب ذلك انخفاض في متوسط دخل الفرد.
فطبقاً لتعاليم النظرية فإنَّ عدد السكان في الكيلو متر المربع لا يصلح أساساً لمعرفة ما إذا كانت الدولة مزدحمة بالسكان أم لا، فالدولة تعتبر قليلة السكان إذا كانت تستطيع أنْ تقبل سكان جدد وتستفيد منهم في رفع مستوى المعيشة فيه، بصرف النظر عن العدد الفعلي للسكان في الكيلومتر المربع، وبالعكس فإن الدولة تعتبر مكتظة بالسكان إذا كان عدد سكانها لا يمكن أن يتزايد دون أن يصحب ذلك انخفاض في متوسط دخل الفرد.
إلاَّ أنه يعاب على هذا التعريف أنه يبسِّط الأمور أكثر من اللازم، فالعلاقة بين عدد سكان دولة ما ومستواها الاقتصادي؛ علاقة معقدة، فلا تكفي مجرد الزيادة في السكان لرفع أو خفض الدخل القومي بها، لأنَّ النتيجة النهائية تتوقف على صفحات السكان الجدد من حيث السن، والكفاءة، ومقدار الاستثمارات الديموغرافية التي أنفقت لتكوينهم.
3- تحكم ظروف المجتمع في نظرية الحجم الأمثل للسكان:
عاب البعض على النظرية أنها لو قبلت من الناحية النظرية، فإنه يصعب تطبيقها من الناحية العملية، فالاهتداء إلى الحجم الأمثل لسكان دولة ما من الصعوبة بمكان، فالحجم الأمثل للنظرية يتحدَّد على أساس ظروف المجتمع، ومن بينها حالة العمال من حيث: الكفاءة والمهارة والتطورات التي تحدث في هذا الشأن.
تغييرات في شكل الهرم السكاني:
إلاَّ أنه من الثابت أنَّ تغيُّر حجم السكان يؤدي إلى ظهور تغييرات كثيرة في شكل الهرم السكاني، وفي نسبة العاملين إلى مجموع السكان، ومقدرتهم الإنتاجية.. إلخ، ومن ثم صعب الوصول إلى رقم معين.إنَّ محاولات إيجاد رباط أو علاقة بين ظاهرة النمو السكاني ومشكلة استنزاف الموارد الطبيعية عامة والمعدنية بصفة خاصة؛ لا تدعمه أي حقائق علميَّة مجردة ومؤكدة، ولا توثقه أي دراسات جادة.
أما النمو السكاني فقد تبيَّن أنه ليس المسؤول عن الضغط الواقع على تلك الموارد. ذلك لأن الأمر عندما يتعلق بالضغط على موارد العالم الطبيعية كما يقول محبوب الحق: "فإنه لا يجوز أنْ نكتفي بالأعداد المجردة؛ بل ينبغي معرفة دخل هذه الأعداد وطلبها الاستهلاكي... إلخ".
النمو السكاني واستنزاف الموارد الطبيعية:
وبالتالي؛ فإنَّ الزعم بأنَّ النمو السكاني هو السبب في مشكلة استنزاف الموارد الطبيعية، إنما هو مجرد زعم باطل لا تؤكده الحقائق العلميَّة، لأنَّ مشكلة الاستنزاف ترجع أسبابها وتفسيراتها إلى عوامل كثيرة مختلفة، طبيعية وبشرية، ولكن على رأسها يأتي الاستهلاك المفرط للشعوب الغنية والمتقدمة.أما النمو السكاني فقد تبيَّن أنه ليس المسؤول عن الضغط الواقع على تلك الموارد. ذلك لأن الأمر عندما يتعلق بالضغط على موارد العالم الطبيعية كما يقول محبوب الحق: "فإنه لا يجوز أنْ نكتفي بالأعداد المجردة؛ بل ينبغي معرفة دخل هذه الأعداد وطلبها الاستهلاكي... إلخ".
فالعالم الثالث ـ عدا الدول المصدرة للبترول ـ يضم 70% من سكان العالم، ولا يتمتع إلاَّ بحوالي 11% فقط من الناتج القومي الإجمالي للعالم.
وبالتالي فهو لا يستهلك غير ما يقرب من عُشر موارد العالم، بل إنَّ استهلاكه للموارد غير القابلة للتجديد قد يكون أدنى من ذلك، لأن نمطه العام للاستهلاك إنما يقوم على السلع البسيطة التي تحتاج إلى قدر من الموارد يقل كثيراً عما تتطلبه أساليب الحياة في الدول الغنية.
وبالتالي فهو لا يستهلك غير ما يقرب من عُشر موارد العالم، بل إنَّ استهلاكه للموارد غير القابلة للتجديد قد يكون أدنى من ذلك، لأن نمطه العام للاستهلاك إنما يقوم على السلع البسيطة التي تحتاج إلى قدر من الموارد يقل كثيراً عما تتطلبه أساليب الحياة في الدول الغنية.
النمو السكاني بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة:
ويعني ذلك أيضاً أنَّ الزيادة السنوية الحالية في السكان في البلدان المتطورة ـ حتى وإنْ كان أقل من 1% سنوياً ـ تطرح فيما يتعلق بموارد العالم مشكلة عالمية بدرجة أبعد كثيراً مما يطرحه نمو سكاني قدره 3% لسكان العالم الثالث، وذلك بسبب التفاوت الجوهري الراهن في الدخول بين الدول الغنية والفقيرة.
ومن الزاوية الكمية؛ فإنَّ الزيادة الجارية في سكان البلاد المتطورة تفرض على موارد العالم الطبيعية ضغطاً لا يقل عن ثمانية أمثال ما يفرضه عليها نمو السكان في العالم الثالث، وذلك لمجرد أنَّ كل عضو جديد في الدول الغنية يتمتع بدخل يفوق دخل نظيره في الدول الفقيرة بحوالي عشرين مرة، ويتكلَّف العالم من الموارد لإطعام أمريكي واحد ما يزيد عن ثلاثين مرة على ما يتكلَّفه لإطعام مواطن هندي واحد.
ولإطعام كل العالم مستخدمين نفس أسلوب الزراعة الكثيف في أمريكا اليوم؛ فإنَّ التلوث سيزداد، وسيزيد استهلاك الطاقة التي يستخدمها العالم يومياً، وسيستنزف احتياطي النفط المعروف في 13 سنة فقط.
وهكذا تبقى الحقيقة الجوهرية متمثلة في أنَّ مستويات الوفرة والاستهلاك التي تزداد ارتفاعاً باستمرار في الدول الغنية؛ هي التي تلقي على موارد العالم العبء الأكبر، مقارنة بما تلقيه الزيادة في أعداد السكان في البلاد الفقيرة.
0 تعليقات:
إرسال تعليق