موقف مملكة الحجاز من الاحتلال الفرنسي لسورية عام 1920.. استقلال شكلي لسورية والاعتراف بانفصال لبنان سياسيا عنها وقيام مؤتمر الصلح بتعيين الحدود



لم تنته المفاوضات بين الامير فيصل والحلفاء في مؤتمر الصلح الى حل مرض بشأن سورية، وأصرت فرنسا على فرض سيادتها على البلاد.

وكانت آخر الجهود المبذولة للتفاهم محادثات فيصل مع كليمنصو رئيس الوزراء الفرنسي (تشرين أول 1919- كانون الثاني 1920) والتي انتهت باتفاق مبدأي يقضي باستقلال شكلي لسورية والاعتراف بانفصال لبنان سياسيا عنها على ان يقوم مؤتمر الصلح بتعيين الحدود.

لكن الامير فيصل اعتذر عن توقيع الاتفاق لرفض السوريين له، ووعد بعرض المشروع عليهم واقناعهم بقبوله.
غير أنه فشل في ذلك لاصرارهم، فضلا عن وقوف والده الى جانبهم.

إذ بعث الاخير برسالة الى فيصل عمد الى نشرها في جريدة الاهرام جاء فيها" انه لا يقر ادنى مادة ياتي بها الامير فيصل مندوبه في مؤتمر الصلح يكون من مقتضاها الاخلال بشيء من حقوق البلاد العربية واستقلالها التام المطلق، على فرض وقوع ذلك من الامير".

ومن جهة أخرى ـ لم يكتف السوريون باعتراضهم السابق، وراحوا لاستكمال ذلك وقرروا عبر المؤتمر السوري الذي عقدوه في 6 آذار 1920 باستقلال سوريا بحدودها الطبيعية، وتنصيب فيصل ملكا دستوريا على البلاد في 8 من الشهر نفسه.

وقد حظي هذا القرار بتأييد الحسين طبعا كما جاء ذلك في برقيته التي بعث بها الى المؤتمر الاخير.
إلى جانب تأييده لقرار المؤتمر العراقي ، الذي رشح فيه الامير عبد الله ملكا على العراق.

وعلى اية حال فإن الخطوات الاخيرة ومعارضة الحسين للخطط الفرنسية في احتلال سورية، لم تكن تمنع من تنفيذ ما اتفق عليه في معاهدة سايكس بيكو.

فقد عمد قطبا المعاهدة الرئيسان بريطانيا وفرنسا بالتحرك لتنفيذها، واخذت القوات الفرنسية تحت قيادة الجنرال (غورو) بالتحرك لاحتلال سورية.

ولفشل الملك فيصل في إقناع الجنرال بالعدول عن إنذاره الذي وجهه الى الحكومة السورية في 14 تموز 1920.

ولتجنب الصدام العسكري مع القوات الفرنسية، اعلن عن استجابته لشروط (غورو) والتي ضمنها إنذاره المذكور  في 17 تموز، الامر الذي أثار معارضة الاوساط الشعبية وسخطها.

أما بالنسبة لموقف الملك حسين فقد اجاب فيصل بعد اتصال الأخير به بصدد الانذار ـ انه لم ولا يجد ما يقوله (الا إنقاذك لرغائب الشعب بصورة قطعية لما في مخالفته من الجريمة الكبرى واني تابع لقراراته كيفما أراد وشريكه في كلتا الحالتين كما تلزمني به الجنسية والقومية، ونحن لم نزل متخذين ما في الوسع من التشبثات منتظرين منك جواب الاخير بما يراد.

كما اتصل الحسين من جهة اخرى بممثلي كل من بريطانية وفرنسا وايطاليا في جدة واعرب عن رفضه لإنذار غورو، واكد على وحدة الحجاز وسورية والعراق وفلسطين، بغض النظر ان تتبع او يتبع الحجاز لبعضها، وذهب مهددا بالالتحاق في صفوف السوريين او ارسال احد انجاله ، في الوقت الذي ناشد فيه (لويد جورج) بالتدخل.

ومهما يكن فقد دخلت القوات الفرنسية دمشق ورفع الحسين ـ احتجاجا استنكر فيه الاعمال الفرنسية وذهب في 28 تموز إلى أبعد من ذلك وسحب مندوب الحجاز في مؤتمر الصلح في باريس، واعقبته وزارة خارجيته باحتجاج رسمي آخر الى عدد من الدول الاوربية تستنكر فيه العدوان الفرنسي والادعاء الذي يعتبر اعمال فرنسا تنفيذا لمقررات مؤتمر السلم، الذي لم ينصف حقوق العرب كحلفاء منتصرين كما يقتضيه أي تحالف.

مذكرا أن الجيوش العربية كانت اول من دخل دمشق عام 1918.
وبعد مضي شهر على سقوط النظام الهاشمي في دمشق، وقعت في حوران في سورية انتفاضة قادها شيوخ المنطقة ضد السلطات الفرنسية، كان للحسين نصيب معين فيها.

إذ اضطر قادة هذه الانتفاضة ـ فضلا عن وقوف اهالي شرقي الاردن جانبهم واستجابة الى طلب العون من الملك حسين وإيفاد من يؤهله لتزعم الحركة  واستجابة لذلك بعث الحسين في 15/ايلول 1920 ببرقية الى الجنرال (اللنبي) أشار فيها الى ما جاء في رسائل زعماء القبائل السورية، ووصفها بانها"تنذر بالكوارث والاخطار"، ولخشيته من هذه النتائج فإنه يحيط (اللنبي) علما بذلك داعيا لاتخاذ ما يلزم  من جهة ثانية بعث الحسين بنجله الامير عبد الله مع قوات معينة باتجاه شرقي الاردن، لعله كان يهدف من ورائها ـ كما ذهب الزركلي ـ "ليكون عبد الله وكيل اخيه في ما حول سورية من الاراضي التي لم يحتلها الفرنسيون"، خصوصا وان هناك من والوه وطلبوا عونه وإرسال من ينوب نجله فيصل.

وكأن لاحداث حوران واستغاثة أهلها اثرها في حركة عبد الله الاخيرة، اذ يشير بعض الذين كانوا يحيطون بالملك حسين، ان الاخير اخذ بنصيحة اصحابه بشأن إرسال احد انجاله لهذا الغرض، واختار عبد الله في النهاية لتولي ذلك، خصوصا وان الاخير كان ناقما على الانكليز لحيلولتهم دون استئثاره بعرش العراق، الذي رشح اليه من قبل العراقيين في آذار الماضي كما تقدم.

ومن الجائز ايضا ان يكون لتصورات الحسين عن البرقيات التي تسلمها من اهالي حوران ومعان أثرها في اتخاذ مثل هذه البادرة، كأن تكون قد اوحت له بأن البلاد في ثورة لاتحتاج غير القيادة.

وعلى أية حال فقد غادر الامير عبد الله اواخر ايلول 1920 ومعه من القوات ما يترواح من 500 – 1000 مقاتل، وانتهى في عمان فيما بعد راضيا بالمنصب الذي اختاره له الانكليز لحكم شرق الاردن، في الوقت الذي سبقه فيه فيصل للتربع على عرش العراق، الامر الذي كان له أثره كما يبدو في الارباك الذي طغى على موقف الهاشميين من القضية السورية، ومراوحتها بين المطالبة بالحقوق والتروي في حصولها.

فمع شكره للتعاطف ـ الذي نقله فيصل وهو في طريقه لتسنم عرش العراق ـ ورغم الاضطراب الذي اصاب علاقته مع بريطانيا، فإن الحسين يرضخ الى (تأجيل امر سورية الى مدة معلومة ملتمسا الشرف البريطاني ان لا يتكلف بما يشق او يكلف مسلكه السياسي لئلا نقع ثانية في مضاعفة طمس تاريخنا والحكم العمومي علينا بالدنائة ..." ويعرب عن هذا الموقف ذاته في برقية اخرى الى رئيس وزراء بريطانية في 10 مايس 1921.

وكان فيصل قبيل تركه الحجاز الى العراق قد شاطر موقف والده المذكور في رسالة كان وجهها الى الميجر مارشال (Marshall) في 3 مايس عبر فها عن شكر والده للتغير الذي طرأ على الموقف البريطاني.

مع احتفاظه (الحسين) بموقفه السابق من القضية السورية وحقوق العرب فيها وما يترتب عليه من إلفات نظر بريطانيا بشأنها (كي لا تبقى فيما بعد متروكة في زوايا الاهمال".


ليست هناك تعليقات