سفارة النبي (ص) إلى الحبشة.. هجرة كثير من أنصار النبي فرارا من اضطهاد قريش وإقامتهم بها تحت حماية النجاشي ورعايته



كانت سفارة النبي (ص) إلى الحبشة هي الوحيدة التي أرسلت إلى ما وراء البحر.
وقد كان إرسالها في ختام السنة السادسة أو فاتحة السنة السابعة في نفس الوقت الذي أرسلت فيه سفارتا قيصر وكسرى.

وكان بين الحبشة والنبي وأنصاره قبل ذلك علاقة ودية منتظمة وإلى الحبشة لجأ كثير من أنصار النبي أيام هجرتهم فراراً من اضطهاد قريش وأقاموا بها تحت حماية النجاشي ورعايته ومنهم جعفر بن أبي طالب ابن عم النبي.

فلما نظمت السفارات النبوية إلى ملوك العرب والعجم أرسلت سفارة إلى ملوك الحبشة النجاشي على يد عمرو بن أمية الضمري في ذي الحجة سنة ست من الهجرة أعني في نفس الوقت الذي أرسلت فيه سفارة قيصر.

ووجه النبي إلى النجاشي كتابين يدعوه في أولهما إلى الإسلام ويطلب إليه في ثانيهما أن يرسل إلى المدينة من عنده من المسلمين اللاجئين.

وقد صيغت دعوة النبي (ص) إلى النجاشي في أسلوب خاص في روحه وألفاظه ما تقدم من الدعوات وإليك نص هذه الدعوة حسبما يقدمها إلينا ابن إسحاق في السيرة:
"بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة سلم أنت فإني أحمد الله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن وأشهد أن عيسى ابن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة فحملت بعيسى فخلقه الله من روحه كما خلق آدم بيده ونفخه وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته وأن تتبعني وتؤمن بالذي جاءني فإني رسول الله وقد بعثت إليك ابن عمي جعفر ونفراً من المسلمين فإذا جاءوك فاحترمهم ودع التجبر فإني أدعوك وجنودك إلى الله فقد بلّغت ونصحت فاقبلوا نصيحتي والسلام على من اتبع الهدى".

 وقد كان النجاشي نصرانياً، وكانت النصرانية تسود الحبشة منذ القرن الرابع الميلادي، وفي الكتاب النبوي شرح لموقف الإسلام نحو النصرانية ونظريته في خلق المسيح بهذه الوحدة.

وبعث النبي (ص) أيضــاً يطلبه بأن يعقد زواجه من أم حبيبة بنت أبي سفيان, وكانت من المسلمين اللاجئين وكانت زوجة لصاحبي يدعى عبيد الله هاجر بها إلى الحبشة ثم ارتد هناك عن الإسلام وتنصر وتوفي مرتداً.

 وتقول الرواية أن النجاشي لبى دعوة النبي وأسلم وبعث إليه بكتاب يؤكد فيه إسلامه وأنه حقق رغبته في تزوجه من أم حبيبة نيابة عنه وبعثها إليه مع من كان عنده من المسلمين في سفينتين كبيرتين بيد أنه يلوح لنا أن القول بإسلام النجاشي مبالغة يمكن أن تحمل على ما أبداه النجاشي من أدب ومجاملة في استقبال السفارة النبوية.

والمرجح أن النجاشي لم يسلم ولو أسلم النجاشي يومئذ لكان الإسلام قد غمر الحبشة كلها ولكانت النصرانية قد غاضت منها بيد أن الإسلام لمن ينتشر في الحبشة إلا بعد ذلك وكان انتشاره في الجهات الشرقية الجنوبية فقط.