الموسيقى في الشعر الجاهلي.. الرّابط الحيويّ الذي يبث الحيوية والنشاط والجمال الخلاق في المفردات بطريقة فنية معينة



الموسيقى في الشعر الجاهلي:

الموسيقى أداة من أبرز الأدوات التي يستخدمها الشّاعر في قصيدته، وهي عنصر رئيس من عناصر صنعة الشّعر، وهي فارق جوهري من فوارق الشّعر عن النثر، وهي وسيلة من أقوى وسائل الإيحاء، فليس الشّعر إلاّ كلاماً موسيقياً تنفعل لموسيقاه النفوس، وتتأثر به القلوب، فلا يوجد شعر بدون موسيقى، وهي فيه تقوم مقام الألوان في الصورة، ومثلما لا توجد صورة بدون ألوان، كذلك لا يوجد شعر بدون موسيقى وأوزان وأنغام.

العرب تزن الشّعر بالغناء:

وما تخلقه القصيدة في المُتلقّي من طرب وتأثير مردّه إلى بنيتها الايقاعية، وما توفّره تلك البنية من عناصر نغميّة تجسّد أبعاد التجربة للشاعر المبدع، لذا فقد ارتبط الشّعر القديم بالنغم، فكانت الغنائية سمة لازمة للشعر العربي القديم، ولهذه الأهمية فقد كانت العرب "تزن الشّعر بالغناء".
وقد نظم الشّعر الجاهليّ ليسمع، وحتى يلقى ذلك الشّعر ذيوعاً وانتشاراً فلا بدّ من أن تستمتع الأذن بموسيقاه.

لا وجود للشعر بدون موسيقى:

وتبدو الموسيقى عنصراً مهماً في تجسيد الإحساس الكامل في طبيعة العمل الشّعري، وأحلى الصّور الشّعرية تلك التي اختير لها بحر ذو إيقاعات تناسبها.
ولا يقلّ الحديث عن الموسيقى أهمية عند الحديث عن أدوات بناء القصيدة عند الشّاعر، ولعلّ الموسيقى من أهم هذه الأدوات وأخطرها، وفي غيابها يتعذّر وجود الشّعر ووجود القصيدة، وينهار بناؤها؛ فهي الرّابط الحيويّ الذي يبثّ الحيوية والنشاط والجمال الخلاّق في المفردات بطريقة فنية معينة، يتعامل فيها الشّاعر مع المفردات في ترتيبها وفي تركيبها، وفي الحذف والتقديم والتأخير حتى يتحقق البناء الفني المنشود.

الإطار الداخلي والخارجي لموسيقى الشّعر:

وتتميز موسيقى الشّعر بإطارها الخارجي، المتمثل في الوزن والقافية، الذي يلم أشتات القصيدة، ويحفظها من التبعثر.
وبإطار داخلي تتحكم فيه مجموعة من القيم الصوتية، تتجلى في مقدمات ايقاعية في بنية الشّعر، تشمل البحر، والوحدة اللغوية، سواء أكانت جملة أم كلمة أم مجموعة مؤتلفة من الحروف ذات الجرس المميز.

التكامل الصوتي البنائي:

وهذان الإطاران يتعاونان في تحقيق التكامل الصوتي البنائي، الذي يحقق وجود العمل الشّعري "فالشعر لا يحقق موسيقيته بمحض الإيقاع العام الذي يحدده البحر، بل يحققها أيضاً بالإيقاع الخاص لكل كلمة، أي كل وحدة لغوية، لا تفعيلة عروضية للبيت أولاً، وثانياً بالجرس الخاص لكل كلمة من الكلمات المستعملة، ثم الجرس المؤتلف الذي تصدره في اجتماعها في البيت كلّه، ثم تتابعها في البيت بعد البيت في كل قصيدة أو قسم من قصيدة".
وهذان الإطاران تعارف عليهما الباحثون بالموسيقى الخارجية، والموسيقى الداخلية.