مسجد شرق لندن: صرح إسلامي شامخ في قلب لندن وتطوره المعماري والاجتماعي
يُعد مسجد شرق لندن (East London Mosque) صرحًا إسلاميًا بارزًا يقع في قلب العاصمة البريطانية، تحديدًا في منطقة لندن بورو من برج هامليتس، تلك المنطقة الحيوية التي تربط بين حيي وايتشابيل وألدغيت التاريخيين. يمثل هذا المسجد قلبًا نابضًا لأكبر تجمع مسلم في بريطانيا العظمى، حيث يوفر مركزًا روحيًا واجتماعيًا حيويًا لآلاف المسلمين القاطنين في لندن والمناطق المحيطة بها. وبجانبه، يتكامل معه كل من المركز الإسلامي المجاور ومركز مريم، ليشكل هذا المجمع الإسلامي الضخم واحدًا من أكبر المساجد في أوروبا، قادرًا على استيعاب ما يزيد عن 7,000 مصلٍ في صلاة الجماعة، مما يعكس الأهمية الدينية والاجتماعية الكبيرة التي يحظى بها.
بزوغ فجر المسجد: من فكرة إلى صرح قائم:
يتمتع مسجد شرق لندن بتاريخ رائد في المشهد الإسلامي بالمملكة المتحدة، حيث كان من أوائل المساجد التي حصلت على ترخيص رسمي باستخدام مكبرات الصوت لبث الأذان، هذا النداء الروحي الذي يدعو المسلمين إلى الصلاة، مما جعله علامة مميزة في محيطه الحضري المتنوع.
بدأت قصة بناء هذا الصرح الإسلامي المكون من ثلاثة طوابق في عام 1982. وقد اختير لموقعه أرض ذات دلالة تاريخية، حيث كانت في السابق أرضًا خالية تركتها آثار القصف الذي طال المنطقة خلال الحرب العالمية الثانية، مما يرمز إلى بعث جديد ونماء في قلب المدينة التي عانت من ويلات الحرب. اكتمل بناء المسجد في عام 1985، ليُفتتح أبوابه للمصلين والزائرين.
وقد تولت مهمة تصميم هذا المعلم البارز شركة جون جيل وشركاه للهندسة المعمارية. تميز التصميم الخارجي للمسجد باستخدام نمط فريد من الطوب بلونين متناسقين، مما أكسبه هوية بصرية مميزة. يواجه الجانب الأمامي للمسجد طريق وايتشابيل الحيوي، بينما يطل الجانب الخلفي على شارع فيلدجيت الهادئ. وتعلو المسجد قبة ذهبية بارزة يبلغ قطرها حوالي 8.5 أمتار، لتضفي عليه جمالًا وجلالًا معماريًا.
كما ترتفع مئذنة المسجد شامخة في الأفق، ليصل ارتفاعها إلى حوالي 28.5 مترًا فوق مستوى سطح الأرض، لتكون بمثابة منارة روحية تهدي المسلمين. ويتميز المدخل الرئيسي للمسجد بلمسة معمارية فريدة، حيث ينتهي بنسختين مصغرتين من المئذنة، مما يخلق تناغمًا بصريًا لافتًا.
يضم التصميم الداخلي للمسجد قاعتين واسعتين تستخدمان لأغراض الصلاة والمناسبات المختلفة، بالإضافة إلى معرض يوفر مساحة إضافية للمصلين، وعدة فصول دراسية تستخدم للتعليم الديني والثقافي، ومجموعة من المكاتب الإدارية لتسيير شؤون المسجد، ووحدة تجارية صغيرة تلبي بعض احتياجات الزوار والمصلين.
التوسع الطموح: مركز لندن الإسلامي - إضافة نوعية:
مع ازدياد أعداد المسلمين في المنطقة وتزايد الحاجة إلى خدمات إضافية، بدأت أعمال البناء للمرحلة الأولى من توسعة المسجد في عام 2002. أطلق على هذه المرحلة اسم مركز لندن الإسلامي (London Muslim Centre)، وكان بمثابة إضافة نوعية للمجمع الإسلامي. اكتمل بناء هذا الصرح الجديد المكون من ستة طوابق في عام 2004، ليقدم مجموعة واسعة من الخدمات والمرافق.
يتميز مركز لندن الإسلامي بمدخله البارز الذي يحمل تصميمًا عصريًا مزينًا بنمط فسيفساء كاسح وجذاب، يعكس مزيجًا من الأصالة والمعاصرة في التصميم. يضم المركز قاعتين كبيرتين متعددتي الأغراض، تستخدمان للمحاضرات والفعاليات والاجتماعات المختلفة، بالإضافة إلى جناح مخصص للندوات وورش العمل، ودار حضانة توفر الرعاية للأطفال، وعدة فصول دراسية إضافية لتلبية الحاجة المتزايدة للتعليم. كما يشتمل المركز على مركز للياقة البدنية يعزز الصحة والنشاط البدني، ومكتبة إسلامية صغيرة تضم مجموعة من الكتب والمراجع، ومحطة إذاعية تبث البرامج الدينية والثقافية، ووحدات تجارية إضافية، ومكاتب إدارية لتوسيع نطاق الخدمات. وقد تولت شركة ماركلاند كلاسشكا المحدودة مهمة تصميم هذا التوسيع الهام.
مركز مريم: صرح نسائي متكامل:
استمرارًا لمسيرة التطور والتلبية لاحتياجات المجتمع المسلم المتنامي، بدأت في عام 2009 المرحلة الثانية من التوسعة، وهي إضافة مبنى مكون من تسعة طوابق يقع على جانب شارع فيلدجيت، وقد أطلق عليه اسم مركز مريم (Maryam Centre). وقد أقيم هذا المركز في موقع كان يستخدم في الأصل من قبل قسم الجنازات التابع للمسجد، مما يعكس الاهتمام بتوفير خدمات متكاملة للمجتمع المسلم في جميع جوانب حياته. وقد عهد بتصميم هذا الصرح الجديد إلى نفس المهندس المعماري الذي صمم مركز لندن الإسلامي، مما حافظ على قدر من التناغم في التصميم العام للمجمع.
افتتح مركز مريم أبوابه للجمهور في 4 يوليو 2013، ليضيف قيمة كبيرة للمجمع الإسلامي من خلال توفير مجموعة من المرافق والخدمات المتخصصة، وخاصة للنساء. يضم المركز قاعة صلاة رئيسية جديدة للنساء، ومرافق جنازة محسنة تراعي الاحتياجات الخاصة بالنساء، ومركزًا للزوار يقدم معلومات عن الإسلام والمسجد، وأكثر من خمسة طوابق من المرافق المخصصة للنساء، تشمل أماكن واسعة للصلاة، ومرافق تعليمية متنوعة لتنمية المعرفة والمهارات، ومركزًا للياقة البدنية خاصًا بالنساء يعزز صحتهن ورفاهيتهن، بالإضافة إلى خدمات دعم اجتماعي واستشاري تلبي احتياجاتهن المختلفة.
مسجد شرق لندن: منارة إسلامية متكاملة:
بإضافة مركز لندن الإسلامي ومركز مريم، تحول مسجد شرق لندن إلى مجمع إسلامي متكامل يلبي الاحتياجات الدينية والاجتماعية والثقافية والخدمية لأكبر مجتمع مسلم في بريطانيا العظمى. إنه ليس مجرد مكان للصلاة، بل هو مركز حيوي للتواصل والتفاعل والتعليم وتقديم الدعم للمسلمين من جميع الخلفيات. يمثل هذا الصرح المعماري الشامخ علامة بارزة في المشهد الحضري المتنوع للندن، وشاهدًا على إسهامات المسلمين في المجتمع البريطاني.
التسميات
مساجد بريطانيا