عقد الزواج عند الأئمة والمتخصصين في الشريعة الإسلامية.. منع أئمة المساجد من عقد النكاح قبل أن يعقد عقدا مدنيا أمام السلطة حسب قرارات المجلس الأوروبي

الأصل أن عقد الزواج في الشريعة الإسلامية إذا استوفى الأركان والشروط، من إيجاب وقبول وولي وشهود وإظهار وإعلان، وانتفت موانعه الشرعية كان زواجا صحيحا، وترتبت عليه أحكامه وآثاره، سواء كان مكتوبا أو غير مكتوب، ولم يشترط الإسلام أن يجرى عقد الزواج على يد إمام، أو رجل دين أو حاكم، أو يكون له طقوس دينية معينة، لكن من المستحب أن يتم إجراؤه في المسجد أمام جمهرة من المسلمين لإظهاره وإعلانه،  لقوله صلى الله عليه وسلم: "أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف..."([1]) رواه الترمذي.

وقد اعتاد المسلمون  مند أن ظهرت فكرت المأذون أن يتم على يد المأذون، أو القاضي، أو رجل دين، للتحقق من الأركان والشروط وانتفاء الموانع.

وفي الجزائر يتم إبرام العقد في المسجد بحضور الإمام وأهل الزوج والزوجة والأصدقاء والجيران وجمهرة من المسلمين.

وقد اعتاد الناس على ذلك واستحسنوه تبركا بالمسجد ودعاء الإمام وجماعة المسلمين) وقد انتقلت هذه العادة الحسنة إلى الدول الغربية، نظرا للأهمية والاحترام الذي يوليه المسلمون للإمام والمسجد، لذلك نجدهم عندما يريدون إبرام عقد الزواج الشرعي يلجؤون إلى إمام المسجد، أو رجل متخصص في الشريعة الإسلامية، لإضفاء الشرعية على عقد الزواج، ولربط المسلمين بالمسجد والعلماء والدعاة والقائمين على العمل الإسلامي في الغرب، بشرط توعية المسلمين أن ذلك لا دخل له في صحة العقد أو فساده.

إن لجوء المسلمون في عقود زواجهم إلى الأئمة والمساجد ظاهرة صحية، ودليل على أنهم يريدون أن يطمئنوا على سلامة وصحة اللبنة الأولى والمقوم الأساسي لبناء الأسرة.

لكن هل هؤلاء الأفراد والأئمة لهم صلاحية القيام بهذه المهمة؟
وهل لهم تخويل أو تصريح من سلطة  لها قوة الإلزام والتنفيذ؟ وهل القانون يعترف بهذا النوع من عقود الزواج؟
وهل هذا النوع من عقود الزواج يحفظ الحقوق والمقاصد الشرعية، ويحمى الأسرة من المفاسد التي قد تنتج عنه عند حل الرابطة الزوجية؟

لقد تقدم أن الزواج الذي تعترف به جميع دول العالم هو الزواج الرسمي الموثق، والذي يتم على يد موظف مختص بمقتضى وظيفته بإصدار وثيقة الزواج الرسمية، والتي بواسطتها يتم إثبات الزواج، وأن معظم دول العالم تلزم الناس بوجوب توثيق الزواج رسميا. وأنه واجب شرعي، وواجب قانوني.

والقانون لا يرتب أي حق من الحقوق على الزواج غير الموثق الذي يجريه رجل الدين أو الإمام ويعتبره باطلا، أي ليس له أي قيمة قانونية، ولا قيمة شرعية، لأنه لا يحفظ الحقوق، ويترتب عليه ضرر ومفاسد خطيرة.

وعلى هذا فالعقود التي يقوم بإبرامها الأئمة والمتخصصون في الشريعة الإسلامية، قبل تسجيلها في البلدية وليس لهم تخويل من السلطة ولا قوة الإلزام والتنفيذ، يجب التحذير منها والتوقف من إجرائها.

قال الشيخ عبد الله ابن بيه في قاعدة المآلات: "وعلى هذا تبنى كثير من قرارات المجلس الأوروبي، حيث يمنع أئمة المساجد من عقد النكاح، قبل أن يعقد عقدا مدنيا أمام السلطة، لأن من شأن تلك العقود وإن كانت مستوفية الشروط، أن تؤول إلى خصومات، وربما حرمان المرأة من حقوقها وحرمان الأولاد من نسبهم، لعدم توثيق العقد وهذا من باب النظر في المآلات"-([2]).

[1] تقدم تخريج الحديث وقال الالبانى أن الجزء الأول منه صحيح أي الإعلان وهو المقصود من الاستدلال به.
[2] الموقع الرسمي للعلامة الشيخ عبد الله بن بيه قاعدة قيام جماعة المسلمين مقام القاضي
أحدث أقدم

نموذج الاتصال