توثيق الزواج بين الشريعة والقانون.. العقد الشرعي غير الموثق الذي لا يتم على يد موظف رسمي مختص بإبرام الزواج يحل المعاشرة الزوجية مع الإثم

الزواج في الشريعة الإسلامية هو النظام الشرعي الوحيد للعلاقة المشروعة بين الرجل والمرأة، والذي تعارفت عليه البشرية مند عهد آدم عليه السلام، ودعت إليه الأديان السماوية، والمذاهب الإنسانية، والقوانين الوضعية. والذي عن طريقه يحفظ النسل البشرى والنوع الإنسان. ويتحقق به السكن النفسي والاستقرار الأسرى، والإحصان والوقاية من الوقوع في الفساد الخلقي والاجتماعي.

وهو وسيلة للتواصل الاجتماعي والتعارف الإنساني. وقد اصطبغ الزواج بالعقد  لما فيه من الإيجاب والقبول والمهر وما هو إلا اصطباغ عارض، فلا يقاس على عقود الأكرية والإيجار والبيع لما فيها من التوقيت والتأجيل والمحل والعوض، فالله تعالى أكرم أن يجعل المرأة أو بضعها محلا للتعاقد، بل هي طرفا أساسيا في الزواج لذلك قال علماؤنا "النكاح مبنى على المكارمة والبيع مبنى على المكايسة" وعلى هذا سماه القرآن الكريم بالميثاق الغليظ لإصباغه المعنى الديني المقدس ولارتباطه بالعقيدة الدينية، ولورود النصوص الشرعية الواصفة والمحددة لكيفية إبرامه وأركانه وشروطه، والمبينة للأحكام والآثار المترتبة عليه.

وقد اتفق فقهاء الشريعة الإسلامية والأديان السماوية والقوانين الوضعية والاتفاقات الدولية أن الرضا هو الركن الأساسي في نظام الزواج، المعبر عنه بالإيجاب والقبول أو الصيغة عند بعض الفقهاء.

أما الولي والشهود فهما من المسائل التي تردد العلماء في أصلهما وتفصيلهما حتى في المذهب الواحد.
والأصل أن الولي شرط لصحة الزواج عند جمهور الفقهاء وهو الراجح. ولكن  كثير ما يحدث للمسلمين في الغرب أن يتم زواجهم بدون ولى، فإذا وقع فهو زواج صحيح على مذهب أبى حنيفة، لأنه أمر مختلف فيه يسوغ فيه الاجتهاد، ولأنه لا يفسخ من الأحكام إلا الحرام البين أو خطأ لا شك فيه، أما ما فيه الرأي ويجتهد فيه فلا يفسخ، ويتأكد بالدخول والطول، ولصعوبة فسخ الشيء بعد وقوعه، ولتحقق الضرر بعد الطلاق وطول مدة إجراءات الطلاق في الغرب وقد تصل إلى ثلاث سنوات، وحرصا  على تصحيح العقود ما أمكن.

أما من جهة الشهادة فالأصل أنها شرط صحة في زواج المسلمين عند العقد وهو الراجح عند جمهور الفقهاء وينوب عنها الإعلان والإظهار عند بعض الفقهاء. وزواج المسلمين في الغرب عادة ما يتحقق فيه الإعلان والإظهار في البلدية والشهادة عند إعادة العقد الشرعي في المسجد.
 جواز شهادة غير العدول ولو غير مسلمين إن لم يوجد غيرهم. في كل شيء تعذر فيه وجود  مسلمين في الغرب، من باب الضرورة والحاجة.
التوثيق في الشريعة الإسلامية إذا أطلق يراد به عند الفقهاء علم الوثائق والشروط، والذي يهتم بضبط معاملات الناس وعقودهم على القوانين الشرعية.

أما المراد من توثيق الزواج بين الشريعة والقانون، توثيقه بالشهادة وتسجيله وربطه بالكتابة في وثيقة ليرجع إليها عند الحاجة، لإثباته وإقامة الحجة أمام القضاء والقانون عند الإنكار والجحود، وحفظا للحقوق وتحقيقا للعدالة، وإنصافا للمظلوم.

وقد دعا القرآن الكريم إلى توثيق الديون بالكتابة والشهادة، للاحتياط وحفظ الحقوق، ومنعا للريبة والغفلة، أو النسيان والموت، والرجوع عن الشهادة، أو غيرها من العوارض التي قد تحدث للناس.

وعلى هذا قال العلماء بوجوب توثيق الدين في هذا العصر بناء على قول طائفة من الفقهاء أن الأمر بالكتابة يدل على وجوب كتابة الدين، وهو القول الذي نختاره.

وقد كان عمر ابن عبد العزيز رضي الله عنه يقضى في المدينة بشاهد ويمين فلما انتقل إلى الشام لم يقبل إلا شاهدين وهو القائل للعبارة المشهورة "تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور" فلما سئل قال:  (إنا وجدنا الناس في الشام على غير ما كان عليه الناس في المدينة).

وهو ما أخذت به معظم القوانين المدنية والأحوال الشخصية في الدول العربية والإسلامية وجميع دول العالم، في وجوب توثيق العقود، ومنها عقد الزواج لأهميته وخطورته، ولأنه يتعلق بالأبضاع وبحقوق غير المتعاقدين وهو الولد، فإذا كان القول بوجوب  توثيق العقود المالية وهى أقل خطرا من عقد الزواج فالأولى القول بوجوب  توثيق الزواج لأن الضرر والفساد والعار إذا وقع  تعدى إلى الأسرتين والمجتمع.

ولم يكن المسلمون في بداية الرسالة بحاجة إلى توثيق عقد الزواج بالكتابة، بل كانوا يكتفون بتوثيقه وإعلانه وإظهاره بالشهادة كما دلت السنة على ذلك لأن المجتمع كان محاط بسياج الإيمان والتقوى "الوازع الديني".

ولم يكن الصحابة يتزوجون على مؤخر الصداق فلما أصبح الناس يتزوجون على مقدم ومؤخر الصداق، وتطول المدة وينسى، صاروا يكتبون الصداق، وصار ذلك حجة في إثبات الصداق وفى أنها زوجة له.

وكان ذلك في العصر الفاطمي، وكان القاضي هو الذي يتولى إبرام وكتابة عقود الزواج، ثم انتقل الأمر إلى ما يسمى بمأذون القاضي، ثم المأذون الشرعي في العصر الحديث. وعلى هذا فإذا  كانت الغاية من وجوب توثيق الزواج بالشهادة للتوثق والإظهار والإعلان، كما دلت السنة على ذلك فإن توثيقه بالكتابة يدل على إظهاره وإعلانه وزيادة في الاحتياط لخطورته، ولأن الأصل أي الشهادة أصبحت وسيلة غير مأمونة في الإثبات تخضع لتقدير القاضي، وقد لا يعتد بها نظرا لشيوع الكذب وشهادة الزور، وعوارض الغفلة والنسيان والموت، والرجوع عن الشهادة، والغياب المنقطع لعدم استقرار الناس في هذا العصر، فينتقل من الأصل إلى البدل للقاعدة المشهورة "إذا تعذر الأصل يصار إلى البدل"([1]) وهى الكتابة.

وعلى هذا قال العلماء بوجوب توثيق عقود الزواج وحمل المسلمين على ذلك لما فيه من المصلحة وحفظ الحقوق ودرء المفاسد والحرص على تماسك المجتمع واستقراره.

وقد دعت معظم قوانين الأحول الشخصية في الدول العربية والإسلامية إلى إلزامية تسجيل وتوثيق الزواج لدى السلطات الرسمية للدولة، عن طريق موظف مختص بمقتضى وظيفته بإصدار وثيقة الزواج الرسمية، وفق الشكل الذي يحدده القانون.

فالعقد الشرعي غير الموثق الذي لا يتم على يد موظف رسمي مختص بإبرام الزواج يحل المعاشرة الزوجية مع الإثم لكن يجب التحذير منه والتوقف عن إجرائه من طرف الأشخاص والهيئات التي ليس لها تخويلا من سلطة لها سلطة  الإلزام وقوة التنفيذ.

والعقد الرسمي يحفظ الحقوق، ويسد أبواب الفساد، ويمنع من وقوع الضرر. ووثيقة الزواج الرسمية حجة في الإثبات لا تقبل الإنكار والجحود إلا أن يطعن فيها بالزور. ومثلها الزواج الرسمي لا يقبل الإنكار والجحود وتثبت به الحقوق.

 [1] القواعد الفقهية على أحمد الندوى ص387 بلفظ  "إذا بطل الأصل يصار إلى البدل".
أحدث أقدم

نموذج الاتصال