لقد اعتبر بعض الفقهاء المعاصرين الزواج نظاما، واعتبره البعض الآخر عقدا، والحقيقة أن التصور العقدي للزواج بحاجة إلى إعادة النظر، لأن آثار العقود من حيث المبدأ تحددها إرادة الطرفين بحرية.
فالزواج ليس مجرد عقد، فهو إلى جانب ذلك فريضة دينية عند اليهود، وسر مقدس عند النصارى، ونظام وميثاق غليظ عند المسلمين وعبادة يؤجر عليها المسلم.
وبناء على هذا قدمه بعض العلماء على النوافل. جاء في ميثاق الأسرة في الإسلام المادة 12: "الزواج فطرة بشرية خلق الإنسان من ذكر وأنثى تكشف عن الإرادة الإلهية في جعل الزواج فطرة بشرية وضرورة اجتماعية ونظاما أساسيا لتكوين الأسرة والترابط الاجتماعي"([1]).
فإذا تجرد الزواج من الصبغة الدينية أصبح عقدا.
ويرى البعض الآخر أنه نظام قانوني، ويرى آخرون أنه عقد في نشأته نظام في أحكامه وآثاره"([2]).
قال الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور -رحمه الله تعالى- في مقاصد الشريعة الإسلامية: "فمن نظام الزواج، ونظام النسب، ونظام المصاهرة، تكون آصرة العائلة" وقال: "فمن نظام النكاح تكون الأمومة والأبوة والبنوة" ([3]).
فالشيخ اعتبر الزواج نظاما والنكاح نظاما، فهو نظام إلهي، تولى القرآن والسنة تنظيم أحكامه، ووضع أركانه وشروطه، بدء من التفكير فيه حتى نشأته وقيامة إلى انقضائه بالموت أو الطلاق.
فالبناء الشرعي لهذه الرابطة وما يترتب عليها من آثار وحقوق وواجبات، وما ينتج عنها من مقاصد وضعها الشارع الحكيم ([4]).
وقد قال الفقهاء: إن الزواج يختلف عن بقية العقود، فهل يقاس على عقود الإجارة والأكرية وعقد البيع؟ وهل الزواج عقد معاوضة؟ المهر عوض البضع، أو النفقة عوض البضع؟ "فليس المهر في الإسلام عوضا عن البضع كما يجرى على ألسنة الفقهاء على معنى التقريب"([5]).
قال الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور: "وقد اصطبغ النكاح في صورته الشرعية بصبغة العقود من أجل الإيجاب والقبول، وصورة المهر، وما هو إلا اصطباغ عارض ولذلك قال علماؤنا: النكاح مبني على المكارمة والبيع مبني على المكايسة"([6]).
فليس المهر عوض البضع كعوض الثمن عن الإيجار والبيع، والمرأة ليست محلا للعقد ولكنها طرفا أصيلا في نظام الزواج، لا يتم إلا برضاها وموافقتها من غير إجبار ولا إكراه في جميع الشرائع والأديان والقوانين.
[1] الاتحاد النسائي الإسلامي العالمي ميثاق الأسرة في الإسلام نصوص مواد ميثاق الأسرة 07/11/2007.
[2] موسوعة الزواج والعلاقة الزوجية في الإسلام والشرائع الأخرى المقارنة الدكتورة يوسف ملكة زرار ص 104.
[3] مقاصد الشريعة الإسلامية الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ص 155.
[4] أنظر موسوعة الزواج والعلاقة الزوجية في الإسلام والشرائع الأخرى المقارنة الدكتورة ملكة يوسف زرار 125.
[5] مقاصد الشريعة الإسلامية الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور ص159.
[6] المرجع السابق ص 159" المكايسة المغابنة- المكارمة المسامحة".
التسميات
توثيق الزواج