المسجد والمركز الإسلامي في الدول الغربية هو المكان الذي يلتقي فيه المسلمون في صلواتهم و مكان تجمعاتهم في أعيادهم، وعقد زيجاتهم وإقامة حفلاتهم، وتعلم لغتهم وأحكام شريعتهم، وإصلاح ذات بينهم، ودفع زكاة أموالهم وصدقاتهم، والتشاور في أمورهم والتفكير في مشروعات وجودهم، وقوة تأثيرهم في مجتمعهم في مجموع حياتهم، للتمكين لدينهم وتوحيد صفوفهم.
ونظرا لهذه الأهمية للمسجد والمركز الإسلامي بالنسبة للمسلمين في الغرب، وكونهم يعيشون في مجتمعات تحكمها نظم وقوانين قد تتعارض أحيانا، وقد تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية أحيانا أخرى، وعدم وجود ولاية شرعية وقضاء إسلامي يرجع المسلمون إليه في أحوالهم الشخصية، أفتى العلماء والمجامع الفقهية بقيام جماعة المسلمين (المراكز الإسلامية والمساجد) مقام القاضي في الدول الغربية([1]).
وبناء على هذا يجب على المسلمين السعي لدى السلطات الرسمية للاعتراف وتخويل الأئمة والمساجد والمراكز الإسلامية لإجراء وإبرام عقود زواج المسلمين، ثم المصادقة عليها وتسجيلها في المحكمة أو البلدية في الدول التي تسمح قوانينها بذلك.
وما دامت المساجد والمراكز الإسلامية ليس لها صلاحية وتخويل من قبل السلطة التي لها قوة الإلزام والتنفيذ، في استفاء الحقوق، وتحقيق العدالة، وإنصاف المظلوم عند الإنكار والجحود "ما يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن" التوقف عن إجراء العقود، إلا بعد أن يتأكدوا أن طالبي الزواج قد سجلا عقد زواجهما في المصالح الرسمية للدولة، وننصح المسلمين بإعادة إجرائه في المسجد، أو المركز الإسلامي مباشرة بعد إجرائه في البلدية وفى نفس اليوم. -"لكن ينبغي التذكير بأن الزواج في أمريكا مثلا: له طابع مدني وطابع ديني، فالقانون يلزم طالب الزواج باستخراج تصريح من بلدية المدينة التي يسكن فيها، ثم بعد ذلك يختار الطابع الديني فيقدم الأوراق إلى الجهة الدينية (المركز الإسلامي أو المسجد) وبعدها يتم تسجيلها في سجلات المركز الإسلامي، ويحصل على ورقة معتمدة من الإمام الذي قام بعقد الزواج (معظم الأئمة لهم تصاريح بإجراء عقود الزواج ومعترف بالعقود التي يقومون بإجرائها) ثم يتم توثيقها على ضوء أختام المركز الإسلامي في المحكمة المدنية"([2]).
أما فيما يخص الزواج المدني الذي تجريه المحاكم الغربية، فقد سئل الدكتور الشبيلى عضو مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا الشمالية عن حكم الزواج المدني الذي تجريه المحاكم الغربية؟ قال: "الأصل هو اللجوء إلى المراكز الإسلامية لإجراء عقود الزواج على وفاق الشريعة، ولا حرج في توثيق الزواج بعد ذلك مدنيا أمام المحاكم، إذا اقتضت ذلك مصلحة الطرفين.
والزواج المدني الذي تجريه المحاكم الأمريكية إذا خلا من موانع الزواج الشرعية، وجرى فيه الإيجاب والقبول بين الطرفين، وتحقق فيه الإشهاد على النحو المشروع، كان زواجا صحيحا ترتب عليه جميع الآثار التي تترتب على الزواج الشرعي، حرصا على استقرار العقود وتصحيحا لها ما أمكن"([3]).
أما فيما يخص توثيق الزواج في مصلحة الحالة المدنية في الدول الإسلامية: "فقد أوصى المجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر بضرورة تسجيل عقد الزواج في مصلحة الحالة المدنية، معتبرا أن تسجيله يعد توثيقا للعقد الشرعي الذي تعارف الناس على تسميته بالفاتحة، وأوصى المجلس بضرورة الجمع بين العقد الشرعي وبين تسجيل العقد في مصلحة الحالة المدنية حفاظا على حقوق الله والعباد"([4]).
وهذا الذي ننصح به المسلمين وندعوهم إلى العمل به في الدول الغربية، ويمكن أن نستدل على هذا الاختيار بما يلي:
1- القوانين في الدول الغربية لا تعترف بالزواج الذي يجريه رجل الدين (إمام المسجد/كاهن.
2- الزواج الغير موثق لا يحفظ الحقوق، ولا يترتب عليه أحكام وآثار في نظر القانون ويعتبره باطلا، غير موجود أصلا.
3- يعاقب كل رجل دين أجرى زواجا قبل أن يتأكد من أن طالبي الزواج قد سجلا قبل ذلك زواجهما مدنيا (السجن وغرامة مالية قانون 199/200)([5]).
4- الأئمة والمساجد والمراكز الإسلامية، ليس لهم تصريح أو تخويل من السلطة للقيام بهذه المهمة، فنظام الزواج في القوانين الغربية وجميع دول العالم من النظام العام للدولة، وبالتالي يكون من صلاحيتها وضع نظم وقوانين تنظم زيجات المواطنين والمقيمين في هذه الدول.
5- عدم قدرة الأئمة والهيئات الدينية على إلزام الأطراف بأداء الحقوق والواجبات عند الإنكار والتخاصم وإنصاف المظلوم.
6- درء المفاسد التي قد تترتب على ذلك(التلاعب والاستهانة برابطة الزواج المقدسة، كما يحدث الآن في بعض الدول الغربية، من طرف بعض المسلمين لسهولة انحلال رابطة الزواج غير الموثق. (الإساءة إلى الإسلام والمسلمين والتشهير بهم كما حدث للشخص الذي أدعت الصحافة والتلفزيون أنه متزوج بأربع نسوة والقانون يمنع من ذلك، وبقيت تتحدث عن هذا الأمر أسابيع في فرنسا).
7- وجوب توثيق عقد الزواج في هذا العصر من باب المصلحة، قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: "تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور".
وقال ابن قيم الجوزية: "فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهى عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت من العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليس من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل"([6]).
وبعد تطرقنا إلى الزواج الديني غير الرسمي في الشريعة الإسلامية، والذي يتم عن طريق أشخاص وهيئات غير رسمية في الدول الغربية، فيستحسن التطرق إلى الزواج الكنسي وحقيقته عند المسيحيين، بحكم وجود فئة من المواطنين المتدينين في الدول الغربية يجرون عقود زواجهم الدينية وفق القانون الكنسي.
[1] قاعدة قيام جماعة المسلمين مقام القاضي موقع الشيخ عبد الله بن بيه.
- لقد أحسن اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا إن دعا إلى حملة الألف سنة2009 لتوعية المسلمين في الغرب بقضايا الأسرة وهو عمل يشكرون ويشجعون عليه وهذا البحث يدخل في هذا الإطار للمشاركة في هذه الحملة.
[2] أوضاع المسلمين في أمريكا كيف هي؟ الأحوال الشخصية للمسلمين- العالم الإسلامي الصفحة العاشرة العدد1783 مارس new page1 تقارير 2003اسلامية أسبوعية جامعة.
[3] موقع الفقه الإسلامي الفقه اليوم الدكتور الشبيلى يتحدث عن نوازل فقه الأسرة المسلمة خارج الوطن الاسلامى-الرياض فضل الله ممتاز.
[4] إسلام وين لاين نت أخبار وتحليلات جدل بالجزائر لاشتراط الزواج المدني قبل الشرعي 03/01/2003.
[5] قانون العقوبات الفرنسيArt199/200 c.cv
[6] أعلام الموقعين عن رب العالمين للإمام ابن قيم الجوزية طبعة دار الكتاب العربي ص599.
التسميات
توثيق الزواج