من التراث إلى الإبداع: الأسطورة خيط رابط بين الماضي والحاضر في الرواية العربية



توظيف الأسطورة في الرواية العربية المعاصرة:

مقدمة:

تُعدّ الرواية العربية المعاصرة ساحةً غنيةً بالتجارب والتجديد، حيث سعى الروائيون العرب إلى إثراء أعمالهم الأدبية بتقنيات جديدة ومحتوى فريد. ومن بين هذه التقنيات، برز استخدام الأسطورة بشكل ملحوظ، حيث وجد الروائيون في الأساطير مصدرًا غنيًا للإلهام وبُعدًا رمزيًا عميقًا يُثري أعمالهم ويُضفي عليها قيمة جمالية وفكرية عالية.

أولاً: دوافع توظيف الأسطورة:

  • التجديد الأدبي: تسعى الرواية العربية المعاصرة إلى تجديد أدواتها التعبيرية للحفاظ على حيويتها وشبابها الفني، وذلك من خلال استغلال عناصر متنوعة، بما في ذلك الأسطورة.
  • التأصيل العربي: يُساعد توظيف الأسطورة في تأصيل الرواية العربية، حيث يُمكن للروائيين استلهام عناصر من التراث العربي لتقديم روايات ذات هوية عربية مميزة.
  • طرح الأفكار: تُتيح الأسطورة للروائيين طرح أفكارهم ورؤاهم الفكرية بشكل رمزي ومجازي، مما يُثري مضمون الرواية ويُضفي عليها عمقًا فلسفيًا.

ثانياً: أمثلة على توظيف الأسطورة:

  • رواية "عودة الروح" لتوفيق الحكيم: استفاد الحكيم من أسطورة إيزيس الفرعونية لبناء شخصية بطلته سنية، مُضفيًا عليها خصائص إيزيس مثل الخصب والوفاء والتجدد.
  • رواية "شهرزاد" لطه حسين: وظّف حسين أسطورة شهرزاد في روايته، مُستلهمًا من قدرتها على السرد القصصي لمعالجة مواضيع اجتماعية وسياسية.

ثالثًا: أهداف توظيف الأسطورة:

  • الهدف السياسي: استخدم بعض الروائيين الأسطورة كقناع وقائي من الرقابة، مُستغلين إياها لانتقاد السلطة أو طرح أفكار سياسية مُعارضة.
  • الهدف الفني: ساعد توظيف الأسطورة على تحرير النص الأدبي من قيود البلاغة القديمة وخلق مساحة للتجريب والتجديد في السرد.

رابعًا: مجالات توظيف الأسطورة:

  • أساطير الموت والانبعاث: ركز الروائيون على أساطير مثل إيزيس وأوزيريس، عشتار وتموز، الفينيق والعنقاء، وذلك لارتباطها بدلالات النهضة العربية وانبعاث الأمة.
  • استلهام التراث السردي العربي: استدعى بعض الروائيين نصوصًا من التراث العربي دون التقيد بتقاليد السرد التراثي، مثل رواية "نزيف الحجر" لإبراهيم الكوني.

خامسًا: رواية "نزيف الحجر" نموذجًا:

تُعدّ رواية "نزيف الحجر" لإبراهيم الكوني مثالًا بارزًا على توظيف الأسطورة في الرواية العربية، حيث تتجلى فيها أسطورة قابيل من خلال شخصية البطل "مَسْكَوْلَة". كما تُعدّ الصحراء فضاءً أسطوريًا في الرواية، تُضفي عليها طابعًا غامضًا وسحريًا.

سادسًا: تقنيات التوظيف الأسطوري:

  • الرمزية: استخدم الروائي الرمزية للتعبير عن المعاني العميقة من خلال عناصر أسطورية.
  • التضمين: وظّف الروائي عناصر أسطورية ضمن سياق روائي جديد.
  • المُحاكاة: استلهم الروائي من عناصر أسطورية لبناء أحداث وشخصيات جديدة.

خاتمة:

تُظهر المقالة أهمية توظيف الأسطورة في الرواية العربية المعاصرة، حيث يُساعد ذلك على تجديد الأدوات التعبيرية، طرح أفكار جديدة، وإضفاء عمقٍ فلسفي على الرواية. كما تُقدم رواية "نزيف الحجر" لإبراهيم الكوني نموذجًا بارزًا على توظيف الأسطورة بشكلٍ فنيٍّ مُتقن.


ليست هناك تعليقات