أوزان جموع القلة في اللغة العربية: تحليل وتفصيل
تُعدّ جموع التكسير في اللغة العربية من الظواهر الصرفية المعقدة والغنية، وهي تنقسم إلى قسمين رئيسيين: جموع القلة وجموع الكثرة. تُستخدم جموع القلة للدلالة على عدد محدود ومعدود من الشيء، وتُشير غالبًا إلى ما لا يتجاوز العشرة. تتميز هذه الجموع بأوزانها المحددة التي تُميزها عن جموع الكثرة، والتي تُشير إلى عدد غير محدود أو يفوق العشرة. تُعرف جموع القلة بأربعة أوزان رئيسية، سنتناولها بالتفصيل مع شروطها واستثناءاتها.
الأوزان الأربعة لجموع القلة:
1. وزن "أَفْعُل"
يُعتبر وزن "أَفْعُل" من الأوزان الشائعة لجمع القلة، مثل "أَنْفُس" (جمع نفس) و"أَذْرُع" (جمع ذراع). يُجمع على هذا الوزن نوعان رئيسيان من الأسماء:
أولاً: الاسم الثلاثي: هو الاسم الذي يتكون من ثلاثة أحرف أصلية، ويُشترط فيه ما يلي:
- أن يكون على وزن "فَعْل": مثل "نَفْس" (أَنْفُس)، و"ظَبْي" (أَظْبٍ).
- أن يكون صحيح الفاء والعين: أي أن الحرف الأول والثاني من الكلمة ليسا حرفي علة (ألف، واو، ياء).
- مثال: "نَفْس" (صحيح الفاء والعين) يُجمع على "أَنْفُس".
- أن يكون غير مُضاعف: أي ألا يكون حرف العين واللام من جنس واحد (مثل "فَرَّ" على وزن فَعْل الذي عينه ولامه راء).
- مثال: "صَكّ" (مضاعف) الأصل فيه ألا يُجمع على "أَفْعُل" قياسًا.
الاستثناءات (ما شذ عن القاعدة): بالرغم من هذه الشروط، وُجدت كلمات تُجمع على وزن "أَفْعُل" بالرغم من مخالفتها لبعض الشروط، وتُعدّ هذه الجموع شاذة ولا يُقاس عليها:
- من معتل الفاء: مثل "وَجْه" (الفاء حرف علة الواو) التي تُجمع على "أَوْجُه".
- من معتل العين: مثل "عَيْن" (العين حرف علة الياء) التي تُجمع على "أَعْيُن".
- من المُضاعف: مثل "صَكّ" (صاد وكاف وكاف) التي تُجمع على "أَصُكّ" (بفك الإدغام)، و"كَفّ" (كاف وفاء وفاء) التي تُجمع على "أَكُفّ".
ثانياً: الاسم الرباعي المؤنث الذي قبل آخره حرف مد: مثل "ذِرَاع" (أَذْرُع) و"يَمِين" (أَيْمن).
- شروطه: أن يكون الاسم مؤنثًا، وأن يتكون من أربعة أحرف، وأن يكون الحرف الذي يسبق الحرف الأخير حرف مد (ألف، واو، ياء).
- ما شذ من المذكر: الأصل في هذا الوزن أن يكون للمؤنث، لكن شذ مجيئه من المذكر في بعض الكلمات مثل:
- "شِهَاب" (أَشْهُب).
- "غُرَاب" (أَغْرُب).
- "عَتَاد" (أَعْتُد).
- "جَنِين" (أَجْنِن).
2. وزن "أَفْعَال"
يُستخدم وزن "أَفْعَال" لجمع الأسماء الثلاثية بشكل عام، بغض النظر عن وزنها الأصلي أو نوع حروفها (ما لم تكن صفات). أمثلة على ذلك:
- "جَمَل" (أَجْمَال).
- "عَضُد" (أَعْضَاد).
- "كَبِد" (أَكْبَاد).
- "عُنُق" (أَعْنَاق).
- "قُفْل" (أَقْفَال).
- "عِنَب" (أَعْنَاب).
- "إِبِل" (آبَال).
- "حِمْل" (أَحْمَال).
- "وَقْت" (أَوْقَات).
- "ثَوْب" (أَثْوَاب).
- "بَيْت" (أَبْيَات).
- "عَمّ" (أَعْمَام).
- "خَال" (أَخْوَال).
الاستثناءات (ما يُستثنى من القياس على "أَفْعَال"):
- ما كان على وزن "فُعَل" (بضم الفاء وفتح العين): مثل "صُوَر" أو "دُمَى". هذه الكلمات لا تُجمع قياسًا على "أَفْعَال".
- شذوذ: رغم القاعدة، شذ جمع "رُطَب" على "أَرْطَاب".
- ما كان على وزن "فَعْل" (بفتح الفاء وسكون العين)، وكان صحيح الفاء والعين وغير مُضاعف: هذا النوع من الأسماء يُجمع قياسًا على وزن "أَفْعُل" (كما تقدم في النقطة الأولى)، ولا يُجمع على "أَفْعَال".
- شذوذ: شذ جمع بعض الكلمات على وزن "أَفْعَال" رغم انطباق شروط جمعها على "أَفْعُل"، مثل:
- "زَنْد" (أَزْنَاد).
- "فَرْخ" (أَفْرَاخ).
- "رَبْع" (أَرْبَاع).
- "حَمْل" (أَحْمَال).
- شذوذ: شذ جمع بعض الكلمات على وزن "أَفْعَال" رغم انطباق شروط جمعها على "أَفْعُل"، مثل:
- شذوذ من الصفات: الأصل أن هذه الأوزان للأسماء وليست للصفات، لكن شذ جمع بعض الصفات على هذا الوزن:
- "شَهِيد" (أَشْهَاد).
- "عَدُوّ" (أَعْدَاء).
- "جِلْف" (أَجْلَاف).
3. وزن "أَفْعِلَة"
يُستخدم وزن "أَفْعِلَة" لجمع الأسماء الرباعية المذكرة التي تسبق آخرها حرف مد، مثل "أَعْمِدَة" (جمع عمود) و"أَنْصِبَة" (جمع نصاب).
- شروطه: أن يكون الاسم مذكرًا، وأن يتكون من أربعة أحرف، وأن يكون الحرف الذي يسبق الحرف الأخير حرف مد.
- أمثلة:
- "طَعَام" (أَطْعِمَة).
- "حِمَار" (أَحْمِرَة).
- "غُلَام" (أَغْلِمَة).
- "رَغِيف" (أَرْغِفَة).
- "عَمُود" (أَعْمِدَة).
- "نِصَاب" (أَنْصِبَة).
- "زِمَام" (أَزِمَّة) - وأصلها "أَزْمِمَة" على وزن "أَفْعِلَة" ثم أدغمت الميم في الميم.
الاستثناءات (ما شذ عن القاعدة):
- من الأسماء: شذ جمع "جَائِز" (اسم فاعل، لكنه استُخدم كاسم) على "أَجْوِزَة"، و"قَفَا" (اسم معتل اللام) على "أَقْفِيَة".
- من الصفات: شذ جمع بعض الصفات على هذا الوزن:
- "شَحِيح" (أَشِحَّة).
- "عَزِيز" (أَعِزَّة).
- "ذَلِيل" (أَذِلَّة).
4. وزن "فِعْلَة"
يُعدّ وزن "فِعْلَة" (بكسر الفاء وسكون العين) من أوزان جمع القلة التي لا تُقاس عليها، أي أنها سماعية. هذا يعني أنه لا توجد قاعدة صرفية مطردة لتطبيقها، بل تُحفظ الكلمات التي وردت على هذا الوزن عن العرب ولا يُقاس عليها غيرها.
- أمثلة من المسموع:
- "شَيْخ" (شِيخَة).
- "فَتًى" (فِتْيَة).
- "غُلَام" (غِلْمَة).
- "صَبِيّ" (صِبْيَة).
- "ثَوْر" (ثِيرَة).
- "شُجَاع" (شُجْعَة).
- "غَزَال" (غِزْلَة).
- "خَصِيّ" (خِصْيَة).
- "ثِنًى" (ثِنْيَة).
- "وَلَد" (وِلْدَة).
- "جَلِيل" (جِلَّة).
- "عَلِيّ" (عِلْيَة).
- "سَافِل" (سِفْلَة).
ملحوظة هامة حول وزن "فِعْلَة": نظرًا لكون هذا الوزن سماعيًا وغير مطرد، ذهب بعض النحاة، مثل ابن السراج، إلى اعتباره اسم جمع وليس جمعًا حقيقيًا. وقوله ليس ببعيد عن الصواب؛ فاسم الجمع هو ما يدل على جماعة ولا واحد له من لفظه (كقوم) أو له واحد من لفظه لكنه لا يخضع لقواعد الجمع الصرفية (كجيش).
فوائد وملاحظات هامة في باب جموع التكسير:
لفهم أعمق لجموع التكسير، وخاصة جموع القلة، يجب الانتباه إلى بعض الفروق الدقيقة والملاحظات الهامة:
1. المراد بالاسم في باب جمع التكسير: عند الحديث عن "الاسم" في سياق جموع التكسير، فإن المقصود به هو الأسماء الجامدة، أي تلك التي ليست صفات مشتقة. هذا يُخرج من نطاق الأسماء في هذا الباب:
- أسماء الفاعل (مثل كاتب).
- أسماء المفعول (مثل مكتوب).
- الصفات المشبهة (مثل كريم).
- وغيرها من المشتقات التي تدل على وصف.
القاعدة:
- إذا اختص وزن معين من أوزان جموع التكسير بجمع الأسماء (الجامدة)، فلا تُجمع عليه الصفات.
- وإذا اختص وزن بجمع الصفات (المشتقة)، فلا تُجمع عليه الأسماء (الجامدة).
- يجب على الطالب أن يتنبه جيدًا لهذه النقطة لتجنب الخلط في القياس الصرفي.
2. دلالة "القياس" و"الشذوذ" في الجموع: عندما يُقال إن وزنًا معينًا هو "قياس" لجمع نوع معين من الأسماء أو الصفات، فهذا يعني:
- أن هذا الوزن هو النموذج الصرفي الأصلي الذي ينبغي أن تُجمع عليه الكلمات التي تستوفي شروط هذا الجمع.
- أنه لا يُجمع قياسًا على هذا الوزن إلا ما توافرت فيه جميع الشروط المذكورة لذلك الوزن.
- أن أي كلمة تُجمع على هذا الوزن دون أن تستوفِ الشروط المطلوبة تُعتبر شاذة، ولا يُقاس عليها كلمات أخرى.
ملاحظة هامة: ليس معنى أن الكلمة تستوفي الشروط أن من الواجب أن تُجمع على هذا الوزن فقط. فقد تجتمع الشروط في اسم أو صفة، لكن العرب لا تُجمعها على الوزن الذي هو قياس جمعها، بل قد تستخدم لها جمعًا آخر، أو لا تُجمع على الإطلاق، أو تُجمع على وزن شاذ.
3. الصفة التي تتحول إلى اسمية (تعامل معاملة الأسماء): بعض الصفات قد تخرج عن معناها الوصفي البحت وتُستخدم كاسم يُشير إلى ذات معينة. في هذه الحالة، تُعامل هذه الصفة معاملة الأسماء في الجمع وليس الصفات.
- مثال "عَبْد": كلمة "عَبْد" في الأصل صفة بمعنى "المُطِيع" أو "المُخضَع". ولكنها استُعملت بكثرة كاسم يدل على "الرقيق" (الإنسان المملوك) أو بشكل عام على "الإنسان" (سواء كان حرًا أو رقيقًا).
- لأن العرب استعملوها استعمال الأسماء (كاسم يدل على ذات)، جمعوها على "أَعْبُد" (على وزن أَفْعُل)، وهو قياس جمع الأسماء. يقول سيبويه: "هو في الأصل صفة لكنه استعمل استعمال الأسماء".
- مثال "أسود" (بمعنى حية): كلمة "أَسْوَد" هي صفة (لون). عندما تُستخدم كصفة، تُجمع على "سُود" (بضم السين)، وهو قياس جمع الصفات التي على وزن "أفعل".
- ولكن عندما أرادوا بها معنى "الحَيَّة" (ذات معينة)، جمعوها على "أَسَاوِد" (على وزن أَفَاعِل، وهو جمع أسماء)، كما يُجمع "أَجْدَل" (الصقر) على "أَجَادِل".
- مثال "خضراء" (بمعنى بقول): كلمة "خَضْرَاء" هي مؤنث "أَخْضَر" (صفة للون). قياس جمعها كصفة هو "خُضْر" (بضم الخاء وسكون الضاد).
- ولكن عندما أرادوا بها معنى "الخُضَر من البقول" (وهي أسماء لذوات)، جمعوها على "خَضْرَاوَات" (على وزن فَعْلَاوَات)، وهو قياس جمع الأسماء المؤنثة التي تنتهي بألف التأنيث الممدودة (مثل "صَحْرَاء" تُجمع على "صَحْرَاوَات" و"خُنْفُسَاء" تُجمع على "خَنَافِس/خَنَافِسَاوَات").
- يُشير الحديث الشريف "ليس في الخضراوات صدقة" إلى هذه البقول. وقد ذكر في النهاية (كتاب غريب الحديث) أن قياس هذا الوزن من الصفات لا يجمع هذا الجمع، وإنما يُجمع به ما كان اسمًا لا صفة. ولكن جمعه "خضراوات" هنا لأنها صارت اسمًا لهذه البقول بعد أن كانت صفة لون. والعرب تقول لهذه البقول: "الخضراء" دون أن تقصد لونها.