همزة "إنَّ" و"أنَّ": دليل نحوي لمواضع الفتح والكسر – قواعد الإعراب، التأويل بالمصدر، والحالات الجائزة في اللغة العربية

همزة "إنَّ" وأحكامها: دليل شامل لفتحها وكسرها في اللغة العربية

تُعتبر همزة "إنَّ" من أهم القواعد النحوية في اللغة العربية، حيث يتغير حكمها (فتحًا أو كسرًا) بناءً على موقعها في الجملة وسياقها اللغوي. فهم هذه الأحكام ضروري لإتقان التعبير الكتابي والنطقي الصحيح. لنتعمق في مواضع فتح همزة "إنَّ" وكسرها، بالإضافة إلى الحالات التي يجوز فيها الوجهان.


أولًا: وجوب فتح همزة "أنَّ"

يجب فتح همزة "أنَّ" (بفتحة فوق الهمزة) إذا أمكن تقدير مصدر مؤوّل منها ومن اسمها وخبرها. هذا المصدر المؤول يأخذ موقعًا إعرابيًا محددًا في الجملة (رفعًا، نصبًا، أو جرًا).

مثال:

  • قال تعالى: "قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن" (سورة الجن، الآية 1).
    • هنا، يمكن تأويل "أنه استمع نفر من الجن" بمصدر صريح: "باستماع نفر من الجن".
    • المصدر المؤول هنا في محل جر بحرف الجر "الباء" المقدر (أوحي إلي باستماع نفر من الجن)، أو في محل رفع فاعل للفعل "أوحي" إذا اعتبر "أوحي" مبنيًا للمجهول و"الاستماع" هو الذي أوحي به.

ثانيًا: وجوب كسر همزة "إنَّ"

يجب كسر همزة "إنَّ" (بكسرة تحت الهمزة) في حالات محددة لا يمكن فيها تأويلها بمصدر صريح، أو تكون في مواضع لا يتسع فيها السياق لتقدير المصدر المؤول:

  • في ابتداء الكلام: إذا جاءت "إنَّ" في بداية الجملة مطلقًا، سواء كانت الجملة افتتاحية أو بعد فاصل تام.

  1. مثال: "إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا." (سورة الفتح، الآية 1).
  2. مثال آخر: "إنَّ الحق يعلو ولا يُعلى عليه."
  • بعد "ألا" الاستفتاحية: إذا سبقتها "ألا" التي تُستخدم للتنبيه والاستفتاح. مثال: "ألا إنهم هم السفهاء." (سورة البقرة، الآية 13).

  • في صدر جملة جواب القسم المعلق باللام: إذا جاءت "إنَّ" في بداية الجملة التي تُشكل جوابًا لقسم، وكان خبرها مقترنًا باللام المزحلقة.

  1. مثال: "والعصر إنَّ الإنسان لفي خسر." (سورة العصر، الآية 2).
  2. اللام في "لفي خسر" هي اللام المزحلقة التي تؤكد الخبر.
  • في صدر جملة الصلة (الموصول الاسمي): إذا وقعت "إنَّ" بعد اسم موصول وجاءت في بداية جملة الصلة التي تُفسر الاسم الموصول. 

    مثال: أحترم الذي إنَّه عزيز النفس. (أي: أحترم الذي هو عزيز النفس).
  • في صدر جملة الحال: إذا جاءت "إنَّ" في بداية جملة تصف حالًا وتوضح هيئة صاحب الحال. 

    مثال: أحب الرجل إنَّه يعتمد على نفسه. (أي: أحب الرجل حال كونه يعتمد على نفسه).
  • في صدر جملة الصفة: إذا وصفت "إنَّ" وما بعدها اسمًا نكرة، وجاءت في بداية جملة الصفة. 

    مثال: أحب رجلًا إنَّه مخلص. (أي: أحب رجلًا مخلصًا، والجملة هنا صفة لرجل).
  • بعد القول ومشتقاته: إذا جاءت "إنَّ" بعد الفعل "قال" أو أي من مشتقاته (يقول، قل، قالت، إلخ). 

    مثال: "قل إنَّ هدى الله هو الهدى." (سورة البقرة، الآية 120).
  • بعد "حيثُ": إذا جاءت "إنَّ" مباشرة بعد الظرف "حيث". 

    مثال: أزورك حيث إنَّك مقيم.
  • بعد "إذْ": إذا جاءت "إنَّ" مباشرة بعد الظرف "إذْ". 

    مثال: جئتك إذ إنَّك مسافر.
  • بعد "حتَّى" الابتدائية: إذا جاءت "إنَّ" بعد "حتى" التي تُفيد الابتداء أو الغاية. 

    مثال: تحرك الريح حتى إنَّ الأغصان تتراقص.
  • بعد فعل قلبي وقد علق عن العمل باللام: الأفعال القلبية (مثل علم، ظن، رأى) تنصب مفعولين. إذا دخلت اللام المزحلقة على خبر "إنَّ" التي تلي هذه الأفعال، فإنها تُعلق الفعل القلبي عن العمل في المفعولين، وتُكسر همزة "إنَّ". 

    مثال: علمت إنَّ الإسراف لطريق الفقر. (هنا، علمت فعل قلبي، واللام في "لطريق" علقت الفعل عن نصب المفعولين، فوجب كسر همزة إنَّ).
  • إذا وقعت خبرًا عن مبتدأ اسم ذات: إذا كان المبتدأ اسمًا لذات (شخص، شيء مادي) وجاء خبره جملة تبدأ بـ "إنَّ".  مثال: الشجرة إنَّها مثمرة. (الشجرة: اسم ذات، خبرها جملة "إنها مثمرة").

    ثالثًا: حالات جواز الفتح والكسر لهمزة "إنَّ"

    في بعض المواضع، يجوز لكلا الوجهين (فتح الهمزة أو كسرها)، والفيصل غالبًا يكون في المعنى أو التقدير:

    • بعد "إذا الفجائية": إذا جاءت "إنَّ" بعد "إذا" التي تُفيد المفاجأة.

    1. مثال (بالفتح): استيقظتُ فإذا أنَّ الشمسَ مشرقةٌ. (تقدير: فإذا بطلوع الشمس)
    2. مثال (بالكسر): استيقظتُ فإذا إنَّ الشمسَ مشرقةٌ. (ابتداء جملة بعد إذا الفجائية)

    • في صدر جملة جواب القسم وليس في خبرها اللام: إذا جاءت "إنَّ" في جواب القسم، ولكن خبرها لم يقترن باللام المزحلقة.

    1. مثال (بالكسر): لعمرك إنَّ الكذب رذيلةٌ. (يمكن اعتبارها ابتداء جملة جواب القسم)
    2. مثال (بالفتح): لعمرك أنَّ الكذب رذيلةٌ. (يمكن تأويلها بمصدر: لعمرك كذب الكذب رذيلة، أو تقدير حرف جر "الباء": لعمرك بأن الكذب رذيلة).

    • بعد فاء الجزاء: إذا جاءت "إنَّ" بعد الفاء التي تُفيد الجزاء في جملة الشرط.

    1. مثال (بالكسر): من يعمل خيرًا فإنه مجزيٌ به. (اعتبارها ابتداء جملة جواب الشرط)
    2. مثال (بالفتح): من يعمل خيرًا فإنه مجزيٌ به. (تأويلها بمصدر: فجزاؤه كونه مجزيًا به).

    • بعد فعل قلبي وليس في خبره اللام: إذا جاءت "إنَّ" بعد فعل قلبي، ولم يقترن خبرها باللام المزحلقة. هنا، يجوز اعتبارها مصدرية (أنَّ)، أو ابتداء جملة (إنَّ).

    1. مثال (بالفتح): علمت أنَّ الدين عاصم من الزلل. (تُؤوّل بمصدر: علمت عصمة الدين).
    2. مثال (بالكسر): علمت إنَّ الدين عاصم من الزلل. (اعتبارها جملة تفسيرية لما علمت).

    • إذا جاءت في موضع التعليل: إذا كان سياق الجملة يُشير إلى أن "إنَّ" وما بعدها تُقدم تعليلًا لما قبلها.

    1. مثال (بالكسر): "إنا كنا من قبل ندعوه إنَّه هو البر الرحيم." (سورة الطور، الآية 28). (بمعنى: ندعوه لأنه هو البر الرحيم، باعتبار "إنَّ" ابتدائية هنا لتعليل السبب).
    2. مثال (بالفتح): "إنا كنا من قبل ندعوه أنه هو البر الرحيم." (بمعنى: ندعوه لبره ورحمته، بتأويلها بمصدر).

    إرسال تعليق

    أحدث أقدم

    نموذج الاتصال