يستند النقد الثقافي منهجيا إلى مجموعة من الخطوات التحليلية، والمفاهيم النظرية، والمصطلحات الإجرائية التي يمكن الانطلاق منها لمقاربة النصوص والخطابات الثقافية فهما وتفسيرا. وتتمثل هذه الخطوات المنهجية في ما يلي:
- طرح أسئلة ثقافية جديدة كسؤال النسق بدلا من سؤال النص، وسؤال المضمر بدلا من سؤال الدال، وسؤال الاستهلاك الجماهيري بدلا من سؤال النخبة المبدعة، وسؤال التأثير الذي ينصب على ثنائية المركز والهامش، أو ثنائية المؤسسة والمهمل، أو سؤال العمومي والخصوصي. وبتعبير آخر، طرح أسئلة ثقافية مركزة ودقيقة.
- الانطلاق من النص أو الخطاب باعتباره حاملا للعلامات الثقافية التي ينبغي التعامل معها فهما وتفسيرا وتأويلا.
- الانطلاق من النصوص والخطابات الأدبية والفنية والجمالية لاستكشاف الأنساق الثقافية المضمرة.
- رصد حيل الثقافة التي تمرر عبر أنساق النصوص والخطابات الجمالية والفنية والأدبية. ويعني هذا أن النص الأدبي حامل أنساق ثقافية مضمرة وغير واعية. ومن هنا، الوقوف على الأنساق الثقافية، وليس على النص الأدبي والجمالي.
- التركيز على الأنساق الثقافية المضمرة، والدلالات النسقية الثقافية، وآليات البلاغة الثقافية من مجاز كلي وتورية نسقية.
- إن وظيفة النص ليست الوظيفة الأدبية أو الشعرية أو الجمالية - كما يقول رومان جاكبسون في نظامه التواصلي-، بل هي الوظيفة النسقية الثقافية.
- الاهتمام بالمضمر الثقافي، بدلا من الاهتمام بالدوال اللغوية ذات الطبيعة الحرفية أو التضمينية (الإيحائية).
فقد اكتشف عبد الله الغذامي أن كبار مبدعينا كأبي تمام والمتنبي ونزار قباني وأدونيس، حيث نكتشف ماتنطوي عليه نصوصهم من أنساق مضمرة تنبىء عن منظومة طبقية/ فحولية/ رجعية/ استبدادية، وكلها أنساق مضمرة لم تك في وعي أي منهم، ولا في وعي أي منا، ونحن وهم ضحايا ونتائج لهذه الأنساق.
وظلت هذه الأنساق اللاإنسانية واللاحضارية تتسرب في ضميرنا الثقافي، دون كشف أو ملاحظة، حتى لنجد تماثلا مخيفا بين الفحل الشعري والطاغية السياسي والاجتماعي، مما هو لب النسق وبؤرته غير الملحوظة.
ولقد آن الآوان لممارستنا النقدية بأن تتحرك باتجاه نقد الخطاب الإبداعي، من بوابة النقد الثقافي لتكشف ما يحمله الإبداع، لامن جماليات نسلم بها، ولكن من قبحيات نسقية لم نكن ننتبه لها.
- اكتشاف التأثيرات التي تخلفها الأنساق المضمرة في الوسط الثقافي بصفة خاصة، والوسط الجماهري بصفة عامة. أي: الانتقال من ثقافة النخبة إلى ثقافة الجماهير.
- الانتقال من مرحلتي: الفهم والشرح إلى مرحلة التأويل الثقافي.
هذا، ويمكن أن نطرح توجها منهجيا جديدا في إطار النقد الثقافي، يتسم بشكل من الأشكال بنوع من الوضوح والانسجام والتسلسل والإضافة العلمية، مع استخدام المفاهيم نفسها التي طرحها الباحث السعودي عبد الله الغذامي في كتابه( النقد الثقافي).
ويمكن حصر هذه الخطوات المنهجية في المراحل التالية:
1- مرحلة المناص الثقافي:
ندرس فيها كل العتبات الثقافية من مؤلف، وعنوان، ومقدمة، وإهداءات، وسياق، وهوامش، ومقتبسات، وصور، وأيقونات، ووسائط إعلامية... وذلك كله من أجل استخلاص الأبعاد الثقافية في هذه العتبات الفوقية والمحيطة.
2- مرحلة التشريح الداخلي:
هنا، نقوم بتحليل النص، وتشريحه، وتفكيكه جماليا وبنيويا وسيميائيا وأسلوبيا، فلابد من الاهتمام بماهو فني ولغوي وأسلوبي وبلاغي لفهم ماهو ثقافي.
3- مرحلة الرصد الثقافي:
تعتمد هذه المرحلة على رصد التمظهرات الثقافية، واستخلاص الأنساق الثقافية المضمرة، بالوقوف عند الجمل والمجازات والكنايات والصور والدلالات والأنساق الثقافية المضمرة.
4- مرحلة التأويل الثقافي:
نتكىء في هذه المرحلة على العلوم الإنسانية، كالتاريخ، والفلسفة، وعلم الاجتماع، وعلم الثقافة، وعلم النفس، والنقد الأدبي في استجلاء الأبعاد الثقافية، وفضح الإيديولوجيات، ونقد الأوهام والأساطير المؤسساتية في شكل أحكام وخلاصات واستنتاجات ثقافية.
التسميات
نقد ثقافي