المؤثرات الثقافية.. مجموعة من المناهج والمقاربات المتعددة الاختصاصات التي تصب كلها في الحقل الثقافي وخدمة الأنساق المضمرة اللاعقلية والأنظمة الإيديولوجية

استفاد النقد الثقافي نظرية وتطبيقا من حقول ومجالات معرفية عدة، مثل: الفلسفة، والبلاغة، والأدب، والنقد. كما انفتح على مجموعة من المناهج النقدية تمثلا أو معارضة، مثل: البنيوية، والسيميائيات، والتفكيكية، والتأويلية، والنقد النسائي، والبنيوية الأنتروبولوجية، وجمالية القراءة، والماركسية الجديدة، والتاريخانية الجديدة، والنقد الكولونيالي أو ما يسمى أيضا بالنقد الاستعماري، والنقد الجنوسي... وبصفة عامة، لقد تأثر النقد الثقافي أيما تأثر بالنقد الحداثي والنقد ما بعد الحداثي على حد سواء.

كما تأثر هذا النقد الثقافي بكتابات  ريتشاردز، ورولان بارت، وميشيل فوكو، وجاك ديريدا.
وفي هذا النطاق، يقول الغذامي في كتابه (النقد الثقافي): لقد تدرجت النقلات النوعية في مجال النظر النقدي من أطروحة ريتشاردز في التعامل مع القول الأدبي بوصفه (عملا) إلى رولان بارت الذي حول التصور من (العمل) إلى (النص)، ووقوفه على الشفرات الثقافية كما فعل في قراءته لبلزاك وفي أعماله الأخرى التي فتح فيها مجال النظر النقدي إلى آفاق أوسع وأعمق من مجرد النظر من (النص) إلى (الخطاب)، وتأسيس وعي نظري في نقد الخطابات الثقافية والأنساق الذهنية. جرى الوقوف على فعل الخطاب وعلى تحولاته النسقية، بدلا من الوقوف على مجرد حقيقته الجوهرية، التاريخية أو الجمالية.

ويبدو لنا من هذا أن النقد الثقافي أقرب إلى المنهج التفكيكي من باقي المناهج الأخرى نظرا لوجود مجموعة من القواسم المشتركة التي تتمثل في: الاختلاف، والتشريح، والنص المضاد، والتقويض، واستكشاف المضمر والمختلف...

وعليه، فقد ظهر النقد الثقافي في الغرب رد رد فعل على النظرية الجمالية، والبنيوية اللسانية، والسيميائيات النصية، والبويطيقا، وفوضى التفكيك وعدميته، وذلك باتجاهاته المختلفة: الماركسية الجديدة، والمادية الثقافية، والتاريخانية الجديدة، وما بعد الكولونيالية، والنقد النسوي...

هذا، وقد ارتبط النقد الثقافي، على مستوى التحليل وتشغيل الآليات المنهجية، بمجموعة من العلوم الإنسانية، كالتاريخ، والإثنولوجيا، والأنتروبولوجيا، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، والفلسفة، وعلوم الإعلام، وعلوم الحضارة....

إذاً، فقد تبنت الدراسات الثقافية دور مساءلة العلوم المنتمية إلى الحقل الاجتماعي وعلوم الإنسان، واستجوبت ممارسات النقد الأدبي التقليدية وممارسات النظرية الجمالية، ولعبت فيها دورا حاسما، وهذا ما يجعلها إفرازا للنظرية البنيوية وما بعدها، وتجسيدا لما يمكن أن تفضي إليه مابعد البنيوية من دور في الحياة العامة، وهو دور أحجمت عنه ما بعد البنيوية في صورتها التقويضية لأسباب منهجية تتعارض جذريا مع طرحها، لكن الدراسات الثقافية تبنته، واعتبرته وازع قوتها، ودافع نشاطها.

وهكذا، فالنقد الثقافي هو مجموعة من المناهج والمقاربات المتعددة الاختصاصات التي تصب كلها في الحقل الثقافي، وخدمة الأنساق المضمرة اللاعقلية والأنظمة الإيديولوجية.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال