تعميم الأحكام في النقد الثقافي.. القصيدة الشعرية العربية القديمة تتحكم فيها بنية الفحولة الناتجة عن سيادة طغيان الاستبداد السياسي والاجتماعي

يسقط الناقد الثقافي عبد الله الغذامي في مشكل تعميم الأحكام، حيث يرى أن القصيدة الشعرية العربية القديمة تتحكم فيها بنية الفحولة الناتجة عن سيادة طغيان الاستبداد السياسي والاجتماعي، حيث يقول الغذامي: "هنا، نشأت صورة الفحل، صورة الذات الطاغية، وهي ولا شك صورة مجازية، غير أن مجازيتها لم تمنعها من أن تكون حقيقة اجتماعية وسياسية وثقافية، بمعنى أن الصورة الشعرية التذوقية المجازية تحولت لتصبح نموذجا ذهنيا يتسم استيعابه واستنباته عبر الخطاب الشعري، ثم يجري استنساخه اجتماعيا وذهنيا ليصبح صورة ثقافية نسقية."

ويعني هذا أن الشعر العربي كله شعر مبني على النفاق الاجتماعي والسياسي، كما يتضح ذلك جليا في غرضي المدح والهجاء، وأساس الشعر العربي هو التغني بالفحولة تمجيدا وإشادة وتعظيما.

وقد حورب شعر الحب؛ لأنه ينافي مبدأ الفحولة العربية" إن أهم خطاب في الثقافة العربية، أي خطاب الحب، هو خطاب مجازي، ولم يتمكن من التوثق في الذات الثقافية، ولم يتحول إلى صورة مسلكية ونمط في العلاقة الاجتماعية والإنسانية، والسؤال هو: لماذا...؟

نحيل السبب في هذا الأمر إلى كون النسق الثقافي المهيمن هو النسق الفحولي، وبما أنه كذلك، فإن هذا النسق يتوسل بكل الوسائل الممكنة لكي يمنع قيام خطاب مضاد، وكل خطاب تتبدى فيه علامات كسر النسق الفحولي تجري دوما محاصرته، وتضييق مجاله، بل تشويهه، كما حدث لخطاب الحب، الذي تحول من خطاب في التفاني في الآخر وفي المساواة في العلاقة الإنسانية، مما هو نقيض النسق الفحولي، غير أن الثقافة، عبر حراسها وعبر حيلها النسقية المحكمة، تمكنت من تشويه خطاب الحب، وإظهاره بمظهر الخطاب غير الفعال وغير الحقيقي، وتحويله إلى مجاز ومتخيل جمالي، لاواقع له، ولا تمثل لقيمه."

بل يمكن القول مع الغذامي:  إن الشعر العربي الحداثي مع  أدونيس ونزار قباني هو استمرار لشعر الفحولة. لذا، فهو شعر رجعي ليس إلا.

وفي هذا السياق، يقول الغذامي: "كما حدث في تجيير خطاب الحب وشعرنته، فإن خطاب الحداثة العربية ما إن نشأ على يد امرأة هي نازك الملائكة، وبدأ مشروع في تأنيث القصيدة العربية، وبرز شعراء ذكور يؤسسون لنسق جديد إنساني ومناهض للفحولة، كالسياب، ما إن ظهر ذلك حتى توسلت الثقافة بحراسها وأظهرت لنا شعراء أعادوا تفحيل القصيدة، واستعادوا قيم النسق الفحولي المتشعرن، مثل أدونيس، الذي يبدو على السطح حداثيا تنويريا، غير أنه شاعر نسقي فحولي، وعبر هذا لم تعد الحداثة مشروع تغيير، بل صارت مشروع تنسيق (أي غرس النسق وتعزيزه كما كان أو أكثر)، وهذه كلها دلالات على طريقة مسار النسق وتمركزه، حتى ليقضي على كل محاولة للخروج عليه."

وهكذا، يقرر عبد الله الغذامي أن الشعر العربي القديم والحديث في عمومه شعر فحولي، يمجد الاستبداد الفردي، ويعكس الطغيان السياسي والاجتماعي. بيد أن تعميم الحكم بهذه الصيغة يتنافى مع خصوصية الشعر العربي شكلا وجمالا وتصويرا، ويقصي شعر المغمورين من الشعراء، ويغض الطرف عن الشعر الشعبي.

لقد اتخذت الثقافة الشعر وسيلة لتمرير أنساقها واستدامتها وغرسها؛ لأن الشعر هو خطاب العرب الأول، وهو ديوانهم وسجل ذاكرتهم، ولما يزل كذلك من خلال تغلغله في النسيج الثقافي حتى لقد أصبحت الخلايا والجينات الثقافية جينات متشعرنة، وهذا ما يقتضي نقدا ثقافيا يكشف عن الأنساق ويعريها، ويتتبع تطورها في خطابات أخرى غير الشعر، بعد أن خرجت من المطبخ الشعري إلى المائدة الاجتماعية، وإلى سائر الخطابات والسلوكيات، مما يجعلنا نقول بفحولية الثقافة وتشعرن الأنساق الثقافية. أي: إنها تحمل القيم الشعرية المجازية ذات العمق المستفحل، ولا بد من نقد هذه الثقافة وكشف تحولاتها ولعبة الأنساق فيها.

وهكذا، يطلق عبد الله الغذامي أحكاما عامة لا تخصص شيئا، ولا تستثني أحدا،  ولاتميز بين الخطابات والمذاهب والأغراض الشعرية. ومن ثم، فقد أغلق باب الاجتهاد على مصراعيه أمام دارسي الشعر العربي قديمه وحديثه، مادامت هناك أحكام نقدية ثقافية جاهزة أطلقت على الشعر العربي بصفة عامة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال