الصناعة العربية: الواقع والأهمية الكبيرة في التنمية.. الأنشطة الصناعية كانت لها آثار مهمة وملموسة على نموالإنتاجية الكلية



الصناعة العربية الواقع والأهمية الكبيرة في التنمية
Industry Arab reality and the great importance to development

إن ما أنجزته الاقتصادات العربية مجتمعة في مجال (B&T)، ويراد به، كل الأنشطة التي تتضمن أعمالاً خلاقةً يتم تبنيها بشكل منتظم بهدف زيادة رصيد المعرفة، بما فيها المعرفة التقانية والإنسانية والاجتماعية وتوظيف هذا الرصيد من المعرفة في استنباط أو ابتداع (devise) تطبيقات جديدة.

والمعيار الرئيسي لتمييز (B&T) عن الأنشطة الأخرى ذات الصلة هو وجود عناصر التقييم وتوفر الجانب الاعتباري له بما يمكن من توثيق جدارته. على أساس متوسط نصيب الفرد، وقياساً على عدد البحوث المنشورة في الدوريات العلمية العالمية يقف على مستوى متقارب مع كل من الهند والبرازيل، ومع ذلك فهو يقل خمسين مرة عن المستوى العام لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

فضلاً عن ذلك فإن الأبحاث العربية مجزأة ومتناثرة كثيراً، فالإنجازات البحثية الكويتية لم تستخدم عربياً، وهي غير معروفة في سوريا مثلاً ولا تتماشى مع الطموحات في مصر وتونس.

في حين أن الهند والبرازيل لهما أسواق وطنية كبيرة للبحث والتطوير وأن نتائجها أكثر انتشاراً واستخداماً. وأن الأنشطة الصناعية كانت لها آثار مهمة وملموسة على نموالإنتاجية الكلية، والتي يقصد بها إنتاجية العناصر الكلية Total Factor Productivity (TFP) أحد مقاييس التكنولوجيا غير المجسدة، مع عوائد محلية بين (27% - 30%) إلى جانب آثار تناثرت مظاهر التكنولوجيا الأجنبية والمحلية الإيجابية والمهمة على الإنتاجية.

 وبينما تمر الاقتصادات العربية بمرحلة صعبة من مسيرتها التي تنطوي على أزمات وتحديات، لا تكمن المشكلة في التحديات وإنما في إدراك حدودها وآلية التعامل مع حيثياتها، والمفتاح الأولي لكل آلية معها هوالتعامل مع المعرفة.

وهنا تلتقي هذه النظرة مع قناعات سائدة، من أن التحدي الاستراتيجي الذي يواجه أي بلد في العالم ينبع من البحث الحثيث في المعرفة، في الوقت الذي يحظى فيه نشاط B&T) باهتمام سطحي في الإنفاق والتمويل والتطبيق وحتى الإعلام.

في العام (1997) استثمر العالم نحو خمسمائة مليار دولار في البحث والتنمية أنفق معظمها عدد قليل من الدول الصناعية، والكم الكلي للمعرفة العلمية والتقنية في العالم يتضاعف كل سبعة أعوام، في الوقت الذي تبلغ فيه ميزانية (B&T) حدود (3%) من الناتج القومي الإجمالي لتلك الدول. فالاقتصادات العربية تخصص (2%) من ناتجها القومي للبحث والتطوير، أي أنها تقع على الحدود والأطراف في مجموعة الاقتصادات النامية.

وهذه المسالة هي في مقدمة التحديات العلمية والتقنية. أما ما ينفق فعلاً فهو معشار ذلك فضلاً عن غياب التقييم الملزم لنتائج تلك الإنفاقات.

أما التقانة الأجنبية التي هي في الحقيقة ثمار (B&T) مجسد فهناك سبل موسعة للحصول على التقانة الأجنبي، مثل الدراسة في الخارج؛ والأدبيات؛ وعقود الاستثمارات للشركات وغيرها، عدا مشروعات تسليم المفتاح أو الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة.

والاقتصادات العالمية تدرس سبل تطوير وتخطيط الموارد عن طريق أنظمة إدارة الجودة الشاملة TQM بينما لا يمتلك اقتصاد عربي نظام سيطرة نوعية على المنتجات بشكل كفء يضمن له المنافسة العالمية أو الاحتفاظ بحصص معينة من أسواقها.

فالصناعات الناضجة "محمية" بواقع تطويرها للأنظمة الشاملة بسبب اعتماد مصادر خارجية أو التعاقد من الباطن والرقابة على نوعية خالية من العيوب وغيرها من المهارات الإدارية.

وإذا كانت الاقتصادات العربية تحقق شيئاً من التقدم بالنسبة لنفسها فهي تزداد تخلفاً يوما بعد يوم في عالمها الذي تعيشه. وإلى العام 1984 كان متوسط نصيب الفرد العربي من الدخل ومن الأبحاث متقدماً عن كوريا الجنوبية، بعد هذا التاريخ انقلب الميزان الاقتصادي والبحثي لصالح الأخيرة حتى بات إنتاجها لوحدها يتجاوز سبعة أضعاف الإنتاج المجموعي للوطن العربي  في مطلع التسعينيات وضعف الأخير حالياً.

وإذا كانت الصين لم تزل  تنتظم خلف الوطن العربي في الإنتاجية الطبيعية والإنتاجية البحثية لغاية العام (2000)، إلا أنها في لحاقها المتسارع تجاوزته في غضون هذه السنوات.

وإجمالاً أنفقت أكبر ثلاثمائة شركة تقانة معلومات في العالم أكثر من مائتي مليار دولار على B&T))، وبواقع أكثر من ثلاثمائة ضعف ما خصصه الوطن العربي عام 1997 لهذه الأنشطة البالغ (750) مليون دولار.

وفي العام 1998 ارتفع إنفاق شركات تقانة المعلومات بنسبة (13%) عام 1998 مقابل (0,0%) في المعدل المناظر للوطن العربي.

ولطالما أكدت المنابر العلمية المختلفة والدراسات الأكاديمية العديدة على أهمية (B&T) في الاقتصاد وفي نموه فضلاً عن دوره في التقدم التقني ولربما منذ عقود، ولكن لم يطرأ إلى يومنا هذا التزاماً جوهرياً بالعلم والتقانة ولم نلحظ إبداعاً تقنياً عربياً سجل عالمياً بما يعود بوفورات تقانية محلية ملموسة.

فصناعة الالكترونيات والمعلومات والاتصالات لها الدور الريادي المعروف في التنمية الصناعية والاقتصادية فضلاً عن دورها في دفع القطاع الصناعي نفسه وفي نموه.

والقدرات العربية في هذه المجالات محدودة وبحاجة إلى شبكة من المؤسسات الاستشارية والشركات التي تتخصص فيها وبما يرتبط مع حاجات المجتمع، وهذه تتطلب بدورها قاعدة بشرية ومعرفية تحمل بذور التغيير الجذري في البنى المؤسسية والاجتماعية.

وإذا ما كان القطاع الخاص في غير اقتصاد عربي عاجزاً عن خلق الكتل الاختصاصية اللازمة في العمليات التصميمية للنظم الألكترونية وتطوير محاور نظم الحاسبات، فمؤسسات الدولة والقطاع العام لازالت هي المتصدي الأول وبإمكانها التشديد على تخريج المستويات العلمية المتقدمة ذات الكفاءة وزجها في خلق تلك الكتل.

أما شبكات الاتصالات فإن غالبية الاقتصادات العربية قد أنفقت عليها موارد مالية ضخمة وخاصة النفطية منها مقابل اقتصادات أخرى عاجزة عن ذلك بسبب الكلف المرتفعة لنظم الاتصالات ومعداتها وتنتظر من يقترح العلاج العربي المشترك.

ومع هذا فعلى جميع الاقتصادات العربية مواجهة مشكلة التعامل مع عملية تحديث ومواكبة التطورات المستمرة عالمياً في قطاع الاتصالات والألكترونيات، وهذا لا تتيسر سبله إلا من خلال توسيع حلقات (B&T) ودعمها في التلقي والتغذية المقابلة وذلك في القطاع الخاص بالمقام الأول قبل القطاع العام الذي يتكرس جهده حالياً في مجالات التعليم العالي والمشروعات الستراتيجية.

وفي الصناعة الكيماوية تبين غير دراسة مدى التفاعل وعمق الروابط بين (B&T) وبينها، وخاصة في التخصصات الأقرب إلى الحقول العلمية النظرية والعلوم الأساسية وبصفة تشترك معها في هذه الروابط مع الصناعات الألكترونية سابقة الذكر والصناعات البولوجية. ولكن دافع (B&T) في الأولى مرتبط بتحسين المنتجات إلى حد كبير وأنه ليس كل المنتجات التي تسعى إلى تحسينها هي لصناعات كيماوية وبيولوجية بالضرورة فبعضها يتجه نحو الاستخدام الصيدلاني والتقانات الحيوية مثل الأنزيمات وقسم آخر للصناعات النفطية، وعامل الاقتراب أو الابتعاد بين هذه الحلقات هو(B&T) الصناعي.

والتركيبة العربية الحالية والمستقبلية لهذه الصناعات (في غالبيتها) تركز على الأطر العلمية والأكاديمية دونما توظيف كلي أو جزئي للانتقال نحو التطبيق والتركيز على المنتجات النوعية المنافسة خارجياً وأقليمياً، ما يعمل على تأخير هذه الصناعة إلى جانب تقادم الأساليب الفنية للإنتاج.

فالتركيز ينبغي أن يوجه صوب تحسين المنتجات مع استثمار أي فرصة لتحديث عمليات الإنتاج وكلاهما تحت سقوف الأبحاث التطبيقية، والشيء ذاته ينطبق تقريباً على الصناعات البتروكمياوية.

والصناعات الميكانيكية والكهربائية بشطريها الرئيسين: الآلات والمعدات مثل مكائن الخراطة (TNC) والتفزيز (CNC) ذات السيطرة الرقمية أو الألكترونية المبرمجة وأجهزة التكييف كافة ومعدات النقل والمحركات (محولات ومولدات وقابلوات...) والروافع والإنشاءات المعدنية؛ وصناعة الأجهزة الكهربائية والسلع الاستهلاكية المعمرة (المنزلية والمكتبية)، هذه الصناعات التحويلية سعت اقتصادات عربية لبنائها والاعتماد على الذات بدل استيرادها مثل مصر والعراق والجزائر وتونس والمغرب وفي صناعة معدات النقل والآلات الزراعية والعدد مثل سوريا والسعودية والأردن وغيرها.

وجميعها لم يرق إلى تحقيق منافسة أقليمية أوعالمية عدا تغطية جزء من الاحتياجات المحلية والإقليمية في بعض المجالات بنسب ونوعيات لا مجال للخوض فيها هنا سوى تأكيد السبب في الحالتين هو غياب الأنشطة العلمية الفاعلة لجهود (ب وت) الصناعي، فبقيت صناعات استهلاكية غير قادرة على التحول إلى صناعات رأسمالية أو أن تنمو إلى شركات عالمية، وجميع الآراء تتفق على أن التقليد ليس بذي حضور في معدلات النمو الصناعي لقيمته المضافة.

في صناعة الطاقة الاستخراجية (النفط والغاز) لا توجد معلومات متداولة عن نسبة المهندسين والفنيين العاملين في البحث والتنمية ولا حتى معلومات داخلية عن مدى إسهام أولئك الباحثين في النمو الصناعي أو التقدم التقني فيه كدراسة العائد/الكلفة أوبحوث العمليات أو في أنشطة التسويق أو غيرها.

وهذا يقترح الضرورة الجوهرية لتوثيق إحصائي رسمي وتوجيه الأبحاث والدراسات لتقييم تلك الإسهامات وتطوير مقاييس مناسبة.

بينما تشير أرقام الولايات المتحدة إلى أن زهاء (25%) من المهندسين العاملين في هذا الحقل (بما يعادل 28 ألف مهندس) حائزون على إجازات علمية من جامعات تعتمد على B&T)) الموجه إلى النواحي التطبيقية وتنفق (2%) من تخصيصاتها على أنشطتهم البحثية المختلفة لديها.

وفي الصناعات الحربية العربية يلاحظ أن معظم الأنفاق الصناعي المحلي فيها موجه صوب (ب وت)، وهنا ارتفعت النسبة من (10%) في السبعينات إلى (30%) خلال التسعينات وإلى العام (2000)، وفي الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة (صاحبة الإنفاق الأضخم على التسلح في العالم 900 مليار دولار أمريكي سنوياً) إلى الضغط على الدول الصناعية لرفع تخصيصاتها إلى مستوى أعلى من المستويات السائدة (3% في ألمانيا و1% في اليابان).

في الصناعات الغذائية وجد أن (B&T) العنصر الأساس للتطور التقني واستخدمت مؤشراتها  كمؤشرات على المستويات التقانية لعينة صناعات في ستة بلدان في الاتحاد الأوربي. وأن ناتج هذه الأنشطة من الإبداعات المرتبط كلياً بالتغير التقني قد عدّ قوة لخلق الثروة في هذه البلدان المتقدمة صناعياً وخدمياً.

في حين لا زالت الاقتصادات العربية تسعى لتحقيق أهدافها في تغطية الحاجات الأساسية في الوقت الذي تزايدت فيه مخاطر الفجوة الغذائية مع تزايد اتساعها مهددة الأمن الغذائي بمصير مجهول.

وفي قطاع الخدمات استمرارية عزلة منظومة (B&T) عن الخدمات الصحية والبيئية  وتحسين شروط الحياة والتقنيات الطبية وهنا تلتقي الصورة مع مؤشرات التنمية البشرية ومضامينها.

وتفتقر صناعات النقل للمراكز المتخصصة وتقتصر على المؤتمرات والاتفاقيات وتعرض قطاع التشييد لفقدان ضبط الجودة في أحيان كثيرة، ومع تزايد أعداد الاستشاريين والمقاولين ومراكز الأبحاث تزداد الحاجة معها إلى أنشطة (B&T) هادفة إلى المعلومات عن السياسات البحثية فيها وكيفية تفعيلها باتجاه الحد من اتساع فجوة الإسكان في كل من العراق والأردن ومصر واليمن والمملكة المغربية والجزائر.

وحتى على صعيد الدراسات والأبحاث عن (B&T) لا يكاد الباحث العربي يقف على دراسات معمقة لعلاقتها بالبنى الإنشائية مع أسواق السكن كما في تركيا  مثلا وغيرها.

والمبحث التالي يسلط الضوء على (B&T) في تركيا بوصفها واحدة من دول الطوق التي يتوجب في العصر الحالي التمعن بخطاها في هذا الاتجاه كحالة درأسية على الأقل.

فالمسألة الأكثر أهمية التي يخرج بها هذا المبحث في هذا الصدد هي غياب الإحصاءات الرسمية أوغير الرسمية الموثقة عن بيانات (B&T) على مستوى الصناعة الواحدة أو فروعها أو القطاعات الاقتصادية الأخرى على مستوى اقتصاد عربي واحد وبشكل تفصيلي يساعد في دراسة أفضل للتغير التقني وفي تقدير ما لعلاقة (B&T) الإنتاجية للاقتصاد كلاً ولقطاعاته ولصناعاته. ومن ثم علاقة (B&T) والتقدم التقني للوقوف على سبل التغذية المطلوبة بشكل علمي مسند.


ليست هناك تعليقات