مضمون أسلوب الاستفتاء التأسيسي.. أخذ رأي الشعب إما في مسألة جوهرية يتوقف عليها وضع الدستور أو في إقرار مشروع دستور تضعه جمعية تأسيسية منتخبة أو لجنة حكومية



يجمع الفقه الدستوري على أن الاستفتاء التأسيسي Le referendum constituent يُعدّ من أكثر الأساليب الديمقراطية التي تتبعها الدول المعاصرة في وضع دساتيرها وقواعد نظام الحكم فيها؛ وتعود أصول فكـرة الاستفتاء التأسيسي إلى «مبدأ السيادة الشعبية» Le principe de la souveraineté populaire.

وتعتبر فكرة الاستفتاء التأسيسي من أهـم مظـاهر أو تطبيقات نظام «الديمقـراطية شبه المباشرة».

وقد ثبت من خلال التجربة أن أسلوب الاستفتاء التأسيسي قد استُخدم بهدف أخذ رأي الشعب إما في مسألة جوهرية يتوقف عليها وضع الدستور، كما حدث في إيران بعد انتصار الثورة الإسلامية فيها بالنسبة للاستفتاء العام الذي جرى في آذار سنة 1979 بخصوص تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية، أو في إقرار مشروع دستور تضعه جمعية تأسيسية منتخبة (كما حدث بالنسبة لدستور الجمهورية الفرنسية الرابعة لعام 1946) أو لجنة حكومية (كما حدث بالنسبة لدستور الجمهورية الفرنسية الخامسة لعام 1958).

ويمكن تعريف الاستفتاء التأسيسي بأنه ﴿ذاك الاستفتاء الذي ينصبّ على مشروع دستور معين لحكم الدولة، فيأخذ المشروع صفته القانونية ويصدر إذا وافق عليه الشعب، وإذا رفضه زال ما كان له من اعتبار بصرف النظر عمَّن قام بوضعه ولو تعلَّق الأمر بجمعية تأسيسية منتخبة من الشعب﴾.

وعلى ذلك، يمكن القول بأن أسلوب الاستفتاء التأسيسي يمرّ بمرحلتين: المرحلة الأولى، هي مرحلة إعداد مشروع الدستور، ويتولى القيام بهذه المهمة إما جمعية تأسيسية ينتخبها الشعب أو لجنة فنية تعيّن الحكومة أعضاءها.

ويعدّ ما تضعه هذه الجمعية أو تلك اللجنة من قواعد نظام الحكم في الدولة مجرد مشروع للدستور يفتقر إلى صفَتَيْ النهائية والنفاذ.

والمرحلة الثانية، هي مرحلة سريان ونفاذ الدستور، وتبدأ هذه المرحلة بمجرد اقتران مشروع الدستور بموافقة الشعب بعد عرضه عليه في استفتاء عام.

وبذلك يكمن الفرق بين أسلوب الجمعية التأسيسية وأسلوب الاستفتاء الدستوري التأسيسي:

فإذا كان الشعب بموجب الأسلوب الأول لا يُقرّر بنفسه دستوره، وإنما يقتصر دوره على اختيار نوابه الذين سيقرّرون باسمه ونيابةً عنه دستور البلاد؛ فإن الشعب بموجب الأسلوب الثاني هو الذي يقرر دستوره بنفسه من خلال الموافقة أو عدم الموافقة على مشروع الدستور المعروض عليه.

ويترتب على ذلك نتيجة مهمة مفادها أن الدستور الذي يوضع وفقاً لأسلوب الجمعية التأسيسية  يستكمل وجوده قانوناً ويصبح نافذاً بمجرد إقراره في صيغته النهائية من قبل الهيئة المنتخبة الممثِّلة للأمة، ودون أن يتوقف ذلك على إقرارٍ من أي جهةٍ كانت، في حين أن الدستور الذي يوضع وفقاً لأسلوب الاستفتاء التأسيسي لا يستكمل وجوده قانوناً ولا يصبح نافذاً إلا إذا أقرَّه الشعب في استفتاءٍ عام.


المواضيع الأكثر قراءة