تعريف العقد الإداري.. العمل القانوني الذي تتدخل بواسطته الإدارة في مجال ممارستها لنشاطها، الذي يختلف عن باقي الأعمال الإدارية الأخرى

عقود الإدارة نوعان:
- عقد إداري Le contra administrative
- وعقد إدارة Contra de l’administration

فبالرغم من قيامهما أسوة ـ ببعضهما ـ على عنصر الإيجاب والقبول، فإنهما كالخطين المستقيمين لا يلتقيان، سواء من حيث عناصر أخرى، أو من حيث النظام القانوني.

فمن حيث العناصر يبقى العقد الإداري "يفترض توافر عناصر أخرى بالإضافة إلى عنصر الرضا، وذلك بان يكون أحد الأطراف شخصا معنويا خاضعا للقانون العام، وأن يكون موضوع العقد هو تنفيذ مرفق عمومي، وأن يتضمن شروطا استثنائية غير مألوفة في القانون العادي".

ومن حيث النظام القانوني كذلك يبقى الفرق بينهما ولكن جوهريا، إذ العقد الإداري يخضع للقانون العام بينما عقد الإدارة يخضع للقانون الخاص.

فإذا كان المبدأ في القانون الخاص هو: العقد شريعة المتعاقدين، فهل يمكن القول بأن المبدأ في القانون العام هو: العقد شريعة المتموقعين؟.

ورغم ما يقوم عليه العقد الإداري، شانه في ذلك شأن العقد الخاص، من ضرورة توافر بعض عناصر التعاقد، مثل عنصر الرضا، فإن ذلك لا يحد من أهمية ما تظل الإدارة تتميز به من صلاحيات غير مألوفة في القانون العادي.

ذلك أن السلطات الإدارية تظل في وضعية تجعلها تتميز عن المتعاقد معها، نتيجة تباين الأهداف التي تجعل من الإدارة تجد الحوافز التي تحذو نشاطها في المصلحة العامة، في حين أن المتعاقد معها يظل يخضع لعوامل المصلحة الخاصة.

وتعني أيضا شريعة المتموقعين أن يجد المتعاقد مع الإدارة مساحة في هذا التموقع ،حيث يستفيد من امتيازات ووسائل القانون العام "إذ يصبح من حق المشرفين على المرفق، على سبيل المثال الحق في اللجوء إلى نزع الملكية لغرض المنفعة العامة أو استعمال طريقة التنفيذ الجبري ، واحتلال أملاك الخواص مؤقتا ...إلخ.

كما تعني أيضا هذه الشريعة أن يجد المتعاقد رعاية وحماية بواسطة قوانين ونظريات (نظرية فعل الأمير، الظروف الطارئة، الظروف المادية غير المتوقعة...).

وعليه يتضح أن العقد الإداري ليس هو عقد الإدارة ولا عقد الأفراد، وإنما هو عقد يتوفر على مجموعة من الخصائص المترجمة لمكانة الإدارة في علاقتها مع الآخر.

ومهما تعددت هذه الخصائص فإن أهمها، خاصية المصلحة العامة وخاصية السلطة العامة: كمركزي أو محوري القانون الإداري.

وبديهي أن المصلحة العامة ليست هي المصلحة الخاصة، لأن الأولى معناها التأسيس والتنظيم، بينما الثانية معناها الربح والبحث عن مكاسب شخصية...كما أن المصلحة العامة هي من اختصاص الإدارة وحدها والمحرك الأساسي لنشاطها، وسبب وجودها، وسر امتيازاتها" الإدارة لا يعترف لها المشرع بامتيازات السلطة العامة...إلا من اجل...الحاجيات العامة للمواطنين".

لذلك فالعقد الإداري ليس هو هيمنة الإدارة في العملية التعاقدية ، مهما اعترف لها المشرع بامتيازات، بل هو توفيق بين السلطة العامة والمصلحة العامة "الإدارة قد تعطي الأولوية لنشاط الخواص كلما كانت الغاية تحقيق المصلحة العامة، وتفضيله عن منفعة عامة أقل فائدة وإن كانت الإدارة نفسها هي المعهود إليها بتحقيق ذلك، فمصالح المجتمع ككل أسمى من مصالح الدولة في بعض الفرضيات".

ولعل أهم ما يثير الحقيقة في هذا الموضوع هو أن القضاء الإداري ولد لحماية الإدارة.ولكنه تعلق بعدها تعلقا شديدا بحقوق الأفراد وحريتهم لدرجة حمايتهم أكثر من القضاء العادي، فالغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى والمحاكم الإدارية تبقى شاهدة بأحكام قضائها الشامل أو قضاء الإلغاء على أن هناك توازن طبيعي في نظام العقــــود بين الإدارة و الأفراد.

وعليه فإن أي محاولة لتعريف العقد الإداري تقتضي الأخذ بالاعتبار خاصيتي السلطة العامة والمصلحة العامة، وهكذا وتأسيسا لما سبق يمكن القول بأن العقد الإداري هو ذلك العمل القانوني الذي تتدخل بواسطته الإدارة في مجال ممارستها لنشاطها، الذي يختلف عن باقي الأعمال الإدارية الأخرى انطلاقا من كونه يقوم على أساس نسبية هيمنة السلطة العمومية نتيجة طابعه التعاقدي، وانطلاقا من انفراده بخصائص لا مثيل لها في مجال علاقات التعاقد القائمة بين الخواص.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال